تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والقول الثاني:أن ما ظهر منها، هو الوجه والكفان وما تعلق بهما كالكحل والخضاب والقرط والأَسورة.

والقول الأول أظهر لدلالة الاستعمال اللغوي عليه، فهو الذي ظهر، ولم تكن هي التي أظهرته.

أما من تظهر لهم المرأة زينتها باختيارها فهم من ورد ذكرهم في قوله تعالى:"ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ... "الآية وهم الأزواج والآباء والأبناء وسائر من جاء في الآية، لأن الآية حصرت إبداء الزينة فيهم، أي لا يجوز أن تبدي شيئا من بدنها لأجنبي عنها لا وجهها ولا كفيها ولا غير ذلك، وقد دل على ذلك أيضا ووضحه أن ممن استثنتهم الآية ممن يجوز إبداء الزينة لهم صنفان:الأول غير أولي الأربة من الرجال وهم الذين لا شهوة لهم وليس لهم رغبة في النساء، والثاني الأطفال الصغار الذين لم يظهروا على عورات النساء فيعلموا ما هنالك، فهذان الصنفان لا يتأثران بزينة المرأة ولا تثير زينتها فيهم شيئا، ولذلك جاز الإبداء لهم، مما يعلم معه أن تلك التدابير إنما هي لمنع فتنة الرجال بالنساء، وبهذا يتبين أن ستر وجه النساء مطلوب لأنه موضع الجمال ومكمن الافتتان.

4 - ومما يدل على أن ستر الوجه مطلوب بدرجة كبيرة أن الآيات نهت النساء عن الضرب بالأرجل لأن ذلك يظهر زينة الحلي المخفية فقال تعالى:"ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن" ولا شك أن فتنة النظر إلى وجه المرأة أشد وأقوى من سماع صوت خلخال مستور لا يرى على أرجل بعض النساء، والذي لا يُشك فيه أن وجه المرأة يجمع محاسنها وهو محل نظر الرجال وأن الفتنة الحاصلة بالنظر إليه أكثر بكثير من النظر إلى غيره، أو سماع صوت حلي مستور، ثم إن سياق الآية يبين أن النساء كن منهيات عن إبداء موضع الخلخال، وإلا لو كان يصلح لهن إبداء الموضع وإظهاره لما احتجن إلى الضرب بالأرجل حتى يعلم السامع بتلك الزينة المخفية، وقد دل على أن ستر الأرجل كلها مطلوب من النساء بحيث لا يجوز لها أن تبدي شيئا من ذلك حديث أم سلمة في الإسبال حيث قال رسول الله ?:" من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه، قالت أم سلمة:يا رسول الله فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال:ترخينه شبرا، قالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال:ترخينه ذراعا لا تزدن عليه"،فدل ذلك على أن النساء كن يطلن أثوابهن حتى يكون لها ذيول، ولما قال الرسول ? يرخين شبرا بينت أم سلمة أن أقدام النساء في هذه الحالة سوف تنكشف مما يدل على أن كشف قدم المرأة محظور فقال الرسول ? حلا لتلك المشكلة:يرخين ذراعا، وحينئذ يقال: أيهما أشد فتنة وتأثيرا في القلب: رؤية وجه المرأة أم رؤية موضع الخلخال وعليه الخلخال أو رؤية قدم المرأة؟ وإذا كانت الشريعة قد منعت من إظهار الخلخال أو موضعه أفتجيز الشريعة بعد ذلك إظهار الوجه؟ فالذي ينبغي التعويل عليه وخاصة في ذلك العصر الذي كثرت فيه الفتن، وفشت فيه الخيانة وضاعت فيه الأمانة، أن تغطي المرأة رأسها ووجهها ونحرها وجسدها كله، بثياب واسعة لا تشف ولا تصف، ولا تظهر شيئا منها صونا لدينها وحفظا لحيائها وعفافها، والمرأة لا تخسر شيئا بتغطيتها وجهها، بينما تشهد الوقائع الكثيرة المتكررة أن في كشفه خسارة عليها وعلى غيرها، وظهور وجه المرأة خاصة إذا كان الوجه حسنا وضيئا-وهو كذلك في نظر كثير من الرجال وتقديرهم-قد يحمل بعض أهل الفضل والديانة، من أصحاب الصدور السليمة التي لا غش فيها ولا خيانة، على النظر إليه وإن لم يرد من وراء ذلك سوءا، فكيف بمن لم يكن كذلك، بل كان أكبر همه أن يجيل ناظريه في وجوه النساء؟

والمتتبع لمسألة كشف المرأة وجهها من الناحية الواقعية يجد أنه أمر حادث ليس من شأن الناس القديم، ويدل لذلك أمور منها:

الأول أن سفور المرأة وكشفها وجهها له دعاة معروفون وله بداية يؤرخ لها في عصرنا الحاضر، فيقولون أول من دعا إلى سفور النساء فلان، وأول من خلعت الحجاب وكشفت وجهها للرجال الأجانب فلانة، وهذا يعني أنه لم يكن من أمر الناس القديم، بل هو شيء حدث بعد أن لم يكن حادثا، وهو أمر لم يمض عليه أكثر من سبعين عاما، وقد يختلف هذا التوقيت نوعا ما باختلاف البلدان وقربها من العمل بأحكام الشرع أو بعدها عنه، وما زالت هناك حتى الآن بلاد تحافظ على هذا الحجاب نسأل الله لهم الثبات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير