ثالثاً: أنه لا يعلم صحة أي لأنه كان تورط ببحث طويل للشيخ عبد القادر السندي – أصله الله – حول أثر ابن عباس، دندن فيه حول هذا اللفظ الضعيف وأفاض في بيان ضعفه، مع المبالغة في تضعيف راويه –مع التكرار الممل والإضطراب المخل في الحكم – بما لا مجال لبيان ذلك هنا، وكتم هذا اللفظ الصحيح، ولم يتعرض ذكر إسناده ولكنه أشار إليه (ص18) بقوله:
" وهنا أسانيد أخرى لا تقل درجتها في الضعف والنكارة"!
كذا قال هداه الله! وهو في ذلك كاذب، وانطلى كذبه على أخينا الطيب! فنقل كلامه في كتابه (3/ 263 - 265) وأقره عليه لجهله كغيره بهذا العلم، بل وعنْوَن له بقوله:" تحقيق الآثار المنسوبة إلى ابن عباس رضي الله عنها! " وأتبع ذلك ببحث عنون له بـ" الجواب عن قول ابن عباس على فرض نسبته إليه " (3/ 267):
ولذلك أراني مضطراً في أن أسوق إسناده الصحيح ليكون القراء على بينة منه أولاً وليعرفوا الصادق من الكاذب والعالم من الجاهل ثانياً، ولكي لا يغتروا بكل ناعق يهرف بما لا يعرف ثالثاً، والله المستعان.
قال ابن أبي شيبة رحمه الله في " المصنف في (4/ 283): حدثنا زياد ابن الربيع عن صالح الدهان عن جابر بن زيد عن ابن عباس:
" {ولا يبدين زينتهن}: قال: الكف ورقعة الوجه".
قلت: وهذا إسناد صحيح، لا يضعفه إلا جاهل أو مُغرض، فإن رجاله ثقات، فأبدأ بشيخ ابن أبي شيبة زياد بن الربيع، فهو ثقة دون أي خلاف يذكر، وقد احتج به البخاري في "صحيحه".
وصالح الدهان ثقة أيضاً، كما قال ابن معين. وقال احمد في "العلل" (2/ 33):
" ليس به بأس ".
وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/ 457).
وأما جابر بن زيد –وهو أبو الشعثاء الأزدي-فهو أشهر من أن يذكر، ومن ثقات التابعين المشهورين بالأخذ عن ابن عباس، وخرَّج له الشيخان، وشهد له ابن عباس بأنه من العلماء بكتاب الله – كما تقدم (ص50) - وهو الذي تلقى عن ابن عباس تفسير (الإدناء) بقوله:" تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به"- كما تقدم (ص50) - وهو الذي كان يأمر هند بنت المهلب أن تضع الخمار على الجبهة، أي: وليس على الوجه، كما يزعم التويجري ومقلّده.
وقد تابعه سعيد بن جبير عن ابن عباس. عند ابن أبي شيبة أيضاً، وفي سنده ضعيف.
وتابع ابن عباس عبد الله بن عمر بسند صحيح، وتقدم لفظه المطابق للفظ ابن عباس الصحيح آنفاً، فلا يغير يعد هذا بقول مؤلف" كشاف القناع" (1/ 243) – بعد أن عزاه لابن عباس وعائشة –:
" رواه البيهقي، وفيه ضعف".
وأقرّه الإسكندراني (3/ 431) 1 فإن إسناده عند البيهقي غير إسناده عند ابن أبي شيبة، على الإفراد يوهم أن البيهقي رواه عنهما بإسناد واحد، وهذا خلاف الواقع، فإنه رواه (2/ 225) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، ثم من طريق عكرمة عنه، فهذان طريقان، ثم رواه من طريق عطاء بن أبي رباح عن عائشة، فهذا الأخ الإسكندراني -وغيره ممن خاضوا فيما لا يحسنون- من جنف وظلم على هذا العلم الشريف؟؟!
لقد ابتعدنا بقرائنا قليلاً أو كثيراً عن موضوع البحث، فمعذرة إليهم، وإن كان في ذلك بعض الفوائد التي قد لا يجدونها في غير هذا المكان، فلنعد إلى ما كنا في صدده من مناقشة الشرط الذي وضعه أولئك المقلدة، مخالفين في ذلك من كان مجتهداً في المذهب، وهو العلامة السرخسي، فضلاً عن غيره من العلماء المتقدمين والمتأخرين إلى عصرنا هذا، الذين استمروا على القول بجواز النظر إلى وجه المرأة وكفيها إذا أمن الناظر الفتنة، وقد ذكرت أقوالهم في ذلك قريباً (ص119 - 121)، فليراجعها من شاء أن يتذكر، وهي كلها تلتقي على أنه يجب على الرجال أن لا ينظروا إلى وجوه النساء عند خشيتهم الفتنة، فما أجهل ذلك أن تستر وجهها حتى لا يفتن الرجال بها! وفيهم من كان في القرن السادس وما بعده- كالقاضي عياض والنووي وابن مفلح والشوكاني-وقالوا كما تقدم:
" لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها"، وأنه لا ينبغي الإنكار عليهن إذا كشفن عن وجوههن في الطريق!
¥