تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"فإذا حرم الرب شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك، فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شئ ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لعد متناقضاً، ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده"اهـ.

ومن المعروف لكل أحد أن بعض هذه العطور قد اتخذها كثير من الفساق مسكراً يتناوله كما يتناول الخمر، ولو لم يكن في هذه العطور إلا هذه المفسدة لكانت كافية في تحريمها.

الدليل الثامن

أن استعمال الخمر في التعطر والتزين والامتشاط ونحو هذا من الزينة الظاهرة من غير شرب قد وقع في زمن الصحابة والتابعين فنهى عنه الصحابة والتابعون:

• فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن المرأة تمتشط بالعسلة فيها الخمر فنهت عن ذلك أشد النهي، وقال الزهري: كانت عائشة تنهى أن تمتشط المرأة بالمسكر.

• وثبت عن ابن عمر رضي الله عنه أنه بلغه أن نساء يمتشطن بالخمر، فقال: ألقى الله في رؤوسهن الحاصة.

• وذكر نساء يمتشطن بالخمر عند حذيفة فقال: لا طيبهن الله، وفي رواية (يتطيبن بالخمر لا طيبهن الله).

• وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه وجد في بيته ريح السوسن، فقال: أخرجوه، رجس من عمل الشيطان.

• وثبت النهي عن الامتشاط بالخمر عن عطاء، وعبد الكريم الجزري، وعمرو بن دينار، وقال عكرمة: لا تمتشط بمعصية الله.

• وقال ابن عمر: لو أدخلت إصبعي في خمر ما أحببت أن ترجع إلي.

• وروى ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يطلوا بدردي الخمر بعد النورة.

• وروى أيضاً عن جابر بن زيد أنه سئل عن دردي الخمر هل يصلح أن يتدلك به في الحمام أو يتداوى بشئ منه في جراحة أو سواها؟ فقال: هو رجس وأمر الله تعالى باجتنابه.

ولا شك أن هذه الاستعمالات التي أفتى فيها الصحابة والتابعون هي من جنس استعمال هذه العطور في هذا الزمن فتلحق بها.

الدليل التاسع

أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر باتقاء الشبهات، ففي الصحيحين من حديث النعمان ابن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ".

وأقل ما في هذه العطورات وجود شبهة الحرام فيها لوجود المسكر، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

الدليل العاشر

أن الصواب من قول أهل العلم هو القول بنجاسة الخمر للأدلة التالية:

1. قوله تعالى واصفاً الخمر (رجس من عمل الشيطان) والرجس في لغة العرب هو النجاسة وكل مستقذر تعافه النفس، وقيل إن أصله الركس وهو العذرة والنتن، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بحجرين وروثة للاستجمار، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال (إنها ركس أو رجس)، وقد وصف الله تعالى الخمر بهذا فدل ذلك على نجاسته.

2. قال بعض العلماء: ويدل لهذا مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شراب أهل الجنة (وسقاهم ربهم شراباً طهوراً) لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه أن خمر الدنيا ليست كذلك، ومما يؤيد هذا أن كل الأوصاف التي مدح الله بها خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا.

3. ويدل عليه الأمر باجتنابها في قوله تعالى (فاجتنبوه)، والأمر بإراقتها، وكسر دنانها، وشق ظروفها، وغسل أوانيها، واستخباث الشرع لها مما لم يرد مثله ولا قريباً منه في البول،قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

"والتمسك بعموم الأمر باجتنابها كافٍ في القول بنجاستها"اهـ.

وهذا المذهب هو مذهب عامة أهل العلم، وجمهور أهل الحديث، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وهو مذهب المحققين من العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية،وابن القيم وغيرهم.

وإنما خالف في ذلك قلة من العلماء جعلوا نجاسة الخمر نجاسة معنوية لا حسية، وكان حاصل ردهم على أدلة الجمهور يرجع إلى شيئين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير