وهذا ليس فيه نص على الكشف، بل فيه شاهد على التغطية وهو التقنع. وسيأتي مزيد بيان لمعنى القناع.
وذكر الشوكاني في تفسيره فتح القدير قال:
"قال: الواحدي: قال المفسرون: يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة، فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن بأذى. وقال: الحسن: تغطي نصف وجهها. وقال قتادة: تلويه فوق الجبين وتشده، ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه".
فنحن بين تفسيرات:
• منها تغطية الوجه إلا العين.
• ومنها تغطية نصف الوجه.
• ومنها إبداء العينين وبعض الوجه، مع ستر معظمه.
والأول منها هو المشهور، وهو قول ابن عباس، وجمع من التابعين، وعليه جل المفسرين، وأكثرهم يذكره، وليس فيها نص صريح يقول بكشف الوجه، بل حتى هذا الذي اعتمدوا عليه في جواز الكشف، فيه ما يدل على التغطية، وهو ذكر التقنع.
ومما يجدر لفت النظر إليه: أن أولئك الذين صرحوا بجواز الكشف، في آية الزينة، كالقرطبي، والبغوي، وابن عطية، لما جاءوا إلى هذه الآية فسروها بتغطية الوجه، وليس في قول أحد من أهل العلم والمفسرين أن هذه الآية خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في وسع أحد أن يدعي ذلك، فهي عامة، حيث ذكر: الأزواج، والبنات، ونساء المؤمنين. معا، تحت أمر واحد.
وبعد كل هذه الدلائل، والتظاهر والاتفاق بين المفسرين: كيف يصح الاستدلال بهذه الآية على الكشف؟!
...
منع الشيخ الألباني من دلالة هذه الآية على التغطية، وذهب إلى أنها دليل على الكشف، واستدل بأمور:
1. أن الإدناء في اللغة هو التقريب، وليس تغطية الوجه [الرد المفحم ص7].
2. الآية وحدها ليست نصا صريحا في التغطية، بل لا بد من مرجح [الرد المفحم ص7].
3. الاستدلال بأثر لابن عباس فيه: "تدني جلبابها إلى وجهها، ولا تضرب به" [الرد المفحم ص8].
4. الاستدلال ببعض الآثار عن قتادة ومجاهد وسعيد بن جبير [الرد المفحم ص51].
5. رد وتضعيف أثر ابن أبي طلحة عن ابن عباس وأثر عبيدة السلماني [جلباب المرأة المسلمة ص88].
والجواب على إيرادات الشيخ، رحمه الله تعالى، وأعلى درجته، يكون بما يلي:
قال الشيخ: "يصر المخالفون المتشددون على المرأة، وفي مقدمتهم الشيخ حمود التويجري حفظه الله، على أن معنى {يدنين}: يغطين وجوههن. وهو خلاف معنى أصل هذه الكلمة: الإدناء، لغة، وهو التقريب".
الإدناء في اللغة هو التقريب بين الشيئين، فالدنو هو القرب، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة [2/ 303]: "دنى: الدال، والنون، والحرف المعتل، أصل واحد، يقاس بعضه على بعض، وهو المقاربة .. ودانيت بين الأمرين: قاربت بينهما".
فهذا معنى الإدناء، فهل فيه ما يمنع أن يكون معناها تغطية الوجه؟
هل يلزم من إدناء الجلباب كشف الوجه، وعدم تغطيته؟
الجواب: كلا، لا يلزم، بل العكس هو الصحيح، فإن كل الدلائل الشرعية، واللغوية، وأقوال المفسرين تشير إلى أن الإدناء يلزم منه تغطية الوجه، والأدلة ما يلي:
1. أن هذا هو قول أهل اللغة من المفسرين، كما هو قول الزمخشري، قال: "يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدني ثوبك على وجهك"، وعن أبي حيان مثله، وقد تقدم.
2. أن الفعل عدي بـ (على): {يدنين عليهن}، فهذا دليل على أن الإدناء يكون من فوق الرؤوس، وحينئذ ينزل بعض الجلباب على الوجه، فيغطيه.
3. تفسير ابن عباس رضي الله عنهما الإدناء في الآية بتغطية الوجه، كما في رواية علي بن أبي طلحة.
4. تطبيق التابعين لهذا المعنى عمليا، كما ورد عن عبيدة السلماني، وابن سيرين، وابن عون، وابن علية.
5. تتابع المفسرين على ذكر رواية علي بن أبي طلحة، في تفسير الآية، وهي صريحة في التغطية، وتصريحهم بأن معنى الإدناء هو تغطية الأبدان والوجوه، حتى إنك لا تجد مفسرا فسر الآية بالكشف.
كل هذه الأمور تدل على رجحان التغطية، إذن دلالة الكلمة في اللغة هي التغطية، وليس الكشف.
...
يقول الشيخ: "وبينت أنه ليس نصا في تغطية الوجه، وأن على المخالفين أن يأتوا بما يرجح ما ذهبوا إليه".
يقال هنا: لو سلمنا، جدلا، أن الآية تحتمل المعنيين، وتحتاج إلى مرجح، فالمرجحات هي ما سبق من وجوه:
• الأول: ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الآية: مرجح على أن المراد هو التغطية.
¥