تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والعجب أن الشيخ نفسه قد ذكر هذا فقال [الرد المفحم ص56]:

"على أن سياق ابن تيمية ليس شكليا، كما هو ظاهر؛ لأنه ليس في تفسير الآية، وإنما هو إخبار عن واقع النساء في العصر الأول، وهو بهذا المعنى صحيح ثابت في أخبار كثيرة، كما سيأتي في الكتاب بعنوان: (مشروعية ستر الوجه) ص104، ولكن ذلك لا يقضي وجوب الستر؛ لأنه مجرد فعل منهن".

فإذا كان الأمر كذلك، فكيف صار هذا وجها لتضعيف أثر عبيدة السلماني؟!

4 - قال: "مخالفته لتفسير ابن عباس للآية كما تقدم بيانه، فما خالفه مطرح بلا شك".

يقال: تقدم ثبوت أثر ابن عباس من رواية ابن أبي طلحة، بشهادة الأئمة: أحمد، والبخاري، وابن أبي حاتم، وابن حجر. وهي موافقة تماما لما جاء في أثر عبيدة السلماني، وعليه فلا حجة لهذا الوجه.

وبعد بيان هذه الاعتراضات من الشيخ ـ رحمه الله ـ والجواب عليها، يتبين بوضوح أنه لا حجة في هذه الآية على القول بالكشف. والأمر الملفت للنظر:

تظاهر المفسرين على تفسير الآية بالتغطية، فلا تجد مفسرا صرح فيه بكشف الوجه، وهذا بخلاف ما جاء عنهم في آية الزينة: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، لأمر سنذكره في موضعه.

ويلاحظ أن الشيخ لم يلتفت إلى هذا التظاهرة، وتصريح جماهير المفسرين بدلالة الآية على تغطية الوجه، فلم يذكرها، ولم يتطرق إليها، كما لم يلتفت إلى كلام أهل اللغة، من المفسرين، كالزمخشري وابن حيان، في تفسيرهم الإدناء بالتغطية!!

أنه إذا كانت الآية قطعية الثبوت، وهذا بإجماع المسلمين؛ لأنها من القرآن، والله تعالى حفظه.

وإذا ثبتت قطعية دلالتها على وجوب حجاب الوجه، بما سبق من الوجوه والأدلة.

فنخرج من ذلك: أن الآية محكمة الدلالة، فتكون من المحكمات، التي يصار إليها حين الخلاف، فما عارضها، وكان ثابتا بسند صحيح، بدلالة صريحة على الكشف، فهو متشابه، كأن يكون قبل الأمر بالحجاب، أو لعذر خاص، وحالة خاصة، فيرد هذا المتشابه إلى هذا المحكم، ويفهم في ضوئه، وبذلك ينتفي التعارض، فهذا سبيل التعامل مع المحكمات، لا يصح ولا يجوز تعطيلها لأجل متشابه.

هذا لو كان هذا المتشابه بهذا الوصف من الثبوت والدلالة، فكيف إذا كان باطل السند، كحديث أسماء؟ أو محتمل الدلالة غير قطعي في الكشف، كحديث الخثعمية؟

وهذا حال الآثار التي استدل بها الذين أجازوا الكشف، فحينئذ فلا ريب أن الواجب طرحه، وعدم الالتفات، ولا يجوز بحال تقديمه على نص محكم.

مواد ذات صلة:

الدلالة المحكمة لآية الحجاب على وجوب غطاء الوجه.


* عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى.
[1]- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني 11/ 14.
[2]- يرى الشيخ الألباني، رحمه الله تعالى وأعلى درجته، أن هذا الأثر لا يصح، وأعله بثلاثة أمور: إرسال ابن كعب، فهو تابعي لم يدرك عصر النبوة، وضعف ابن أبي سبرة، والواقدي. [انظر: جلباب المرأة المسلمة 90 - 91]، والروايات التاريخية قد لا تعامل بالصرامة نفسها، التي تعامل بها الروايات الحديثية. [انظر: السيرة النبوية الصحيحة، أكرم العمري1/ 20]، ثم إن هذا الأثر ليس الوحيد في هذا المعنى، بل الآثار كثيرة.
[3]- البخاري في المغازي، باب: غزوة خيبر.
[4]- قال الإمام أحمد: " إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل"، قال ابن قدامة: " كأنه يقول إن النقاب من أسفل على وجهها"، وقال الخرقي: "والمرأة إحرامها في وجهها، فإن احتاجت سدلت على وجهها"، قال ابن قدامة: " إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها". [المغني 3/ 305 - 306، 1/ 638]، وقال ابن تيمية: " والذي يدل عليه كلام أحمد وقدماء أصحابه، جواز الإسبال سواء وقع على البشرة أو لم يقع، لأن أحمد قال: تسدل الثوب"، قال: " ولأن في مجافاته مشقة شديدة، والحاجة إلى ستر الوجه عامة، وما احتيج إليه لحاجة عامة أبيح مطلقا، كلبس السراويل والخف ... ولأن وجه المرأة كبدن الرجل وكيد المرأة، لأن النبي قال: (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)، ولم ينهها عن تخمير الوجه مطلقا، فمن ادعى تحريم تخميره مطلقا، فعليه الدليل، بل تخصيص النهي بالنقاب وقرانه بالقفاز دليل على أنه إنما نهاها عما صنع لستر الوجه، كالقفاز المصنوع لستر اليد، والقميص المصنوع لستر البدن، فعلى هذا: يجوز أن تخمره بالثوب من أسفل ومن فوق ما لم يكن مصنوعا على وجه يثبت على الوجه، وأن تخمره بالملحفة وقت النوم" [العدة شرح العمدة 2/ 270 - 271]، أي أن المرأة ممنوعة من الخمار المفصل المشدود على الوجه المصنوع على قدره، كما يمنع الرجل من السراويل المصنوعة على قدر الأرجل، والقميص المصنوع على قدر البدن، ولعلي أذكر هنا بعض الآثار المتعلقة بهذه المسألة:
عن عائشة رضي الله عنها: " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه"، رواه أبو داود في الحج باب في المحرمة تغطي وجهها.
وعن فاطمة بنت المنذر: " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق فلا تنكره علينا" رواه مالك في الموطأ في الحج، باب: تخمير المحرم وجهه.
فهذه الآثار وغيرها صريحة في تغطية الوجه، حال الأحرام، والله أعلم.

[5]- وانظر مزيد كلام في هذه الرواية في كتاب: التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي 1/ 78
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير