(1) ما ورد عنهم من قول خلاف ذلك، حيث تقدم قول ابن عباس أنها في الذي يدخل على المرأة بيتها، والمقطوع به أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يكن ليجيز لغير محرم دخوله على امرأة أجنبية، فضلا أن يجيز لها كشف وجهها ويديها أمامه، في بيتها، كيف وهو الذي فسر الإدناء، بأن تغطي المرأة وجهها، فلا تبدي إلا عينا واحدة، أفكان يأمرها بالتغطية خارج البيت، ويأذن لها بالكشف داخل البيت؟!.
(2) أن أصل الحجاب مشروع، ونصوصه الدالة عليه عديدة، فهي شعيرة، ومن المحكمات، فليس من السهولة تجاوز هذا الحكم الواضح لأجل آثار، بعضها لا تثبت، وبعضها لها تأويل سائغ، فتكون من المتشابهات التي يجب ردها إلى المحكمات.
(3) أن من الصحابة رضوان الله عليهم، وهو ابن مسعود رضي الله عنه، من صرح في الآية بغير هذا المعنى، فقال هو: الثياب. وتبعه على ذلك جمع من التابعين.
* * *
- القول في قوله تعالى: "وليضربن بخمرهن على جيوبهن".
قال الإمام البخاري: "باب {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} "، ثم ذكر سنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: (يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}، شققن مروطهن، فاختمرن بها). [فتح الباري 8/ 489]
يرى الشيخ الألباني، رحمه الله وأعلى درجته، أن الخمار عند الإطلاق هو غطاء الرأس فقط، دون الوجه، وقد يستعمل أحيانا في غطاء الوجه، يقول:
- "الخمار غطاء الرأس فقط، دون الوجه" [الرد المفحم ص13].
- "كما أن العمامة عند إطلاقها، لا تعني تغطية وجه الرجل؛ فكذلك الخمار عند إطلاقه، لا يعني تغطية وجه المرأة". [الرد المفحم ص18].
- "وجملة القول: إن الخمار والاعتجار عند الإطلاق؛ إنما يعني: تغطية الرأس، فمن ضم إلى ذلك تغطية الوجه، فهو مكابر معاند، لما تقدم من الأدلة". [الرد المفحم ص25].
- "لا ينافي كون الخمار غطاء الرأس، أن يستعمل أحيانا لتغطية الوجه". [الرد المفحم ص23]
وقد بنى رأيه هذا على أمور ثلاثة هي:
- الأول: نصوص من الكتاب والسنة دلت على أن الخمار: غطاء الرأس.
قال: " وأما مخالفته للسنة فهي كثير؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" وهو حديث صحيح، مخرج في الإرواء (196) برواية جمع؛ منهم ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما.
فهل يقول الشيخ التويجري، بأنه يجب على المرأة البالغة أن تستر وجهها في الصلاة؟!.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة التي نذرت أن تحج حاسرة: (مروها فلتركب، ولتختمر، ولتحج)، وفي رواية: (وتغطي شعرها)، وهو صحيح أيضا، خرجته في الأحاديث الصحيحة (2930).
فهل يجيز للمحرمة أن تضرب بخمارها على وجهها، وهو يعلم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تنتقب المرأة المحرمة .. )؟!.
ومثل ذلك أحاديث المسح على الخمار في الوضوء". [الرد المفحم 16 - 17]
- الثاني: أقوال المفسرين والفقهاء في معنى الخمار.
قال رحمه الله: "فمن المفسرين: إمامهم ابن جرير الطبري، والبغوي، والزمخشري، وابن العربي، وابن تيمية، وابن حيان الأندلسي، وغيرهم كثير، وكثير ممن ذكرنا هناك.
ومن المحدثين: ابن حزم، والباجي الأندلسي .. ".
قال: " ومن الفقهاء: أبو حنيفة، وتلميذه محمد بن الحسن، في الموطأ، وستأتي عبارته في ص (34)، والشافعي القرشي، والعيني". [الرد المفحم 18،21]
- الثالث: كلام أهل اللغة في معنى الخمار.
قال: "ومن ذلك قول العلامة الزبيدي في (شرح القاموس) 3/ 189، في قول أم سلمة رضي الله عنها: إنها كانت تمسح على الخمار. أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) 1/ 22: أرادت بـ (الخمار): العمامة؛ لأن الرجل يغطي بها رأسه؛ كما أن المرأة تغطيه بخمارها.
وكذا في (لسان العرب). وفي المعجم (الوسيط)، تأليف لجنة من العلماء، تحت إشراف (مجمع اللغة العربية)، ما نصه: (الخمار): كل ما ستر. ومنه خمار المرأة، وهو ثوب تغطي به رأسها. ومنه العمامة؛ لأن الرجل يغطي بها رأسه، ويديرها تحت الحنك". [الرد المفحم 17 - 18]
* * *
كان ذلك رده رحمه الله على من فسر الخمار بغطاء الوجه، في قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}، حيث يرى رحمه الله: أن الآية لا تدل على غطاء الوجه، بل الرأس، لأن معنى الخمار كذلك.
¥