تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال القرطبي: زيارة القبور للرجال متفق عليه عند العلماء مختلف فيه للنساء أما الشواب فحرام عليهن الخروج، وأما القواعد فمباح لهن ذلك وجائز لجميعهن ذلك إذا انفردن بالخروج عن الرجال ولا يختلف في هذا إن شاء الله وعلى هذا المعنى يكون قوله زوروا القبور عاماً وأما موضع أو وقت يخشى فيه الفتنة من إجتماع الرجال والنساء فلا يحل ولا يجوز فبينا الرجل يخرج ليعتبر فيقع بصره على امرأة فيفتتن وبالعكس فيرجع كل واحد من الرجال والنساء مأزوراً غير مأجور ().

الرابع: أنما استدل به أصحاب القول الرابع هو نفس ما استدل به أصحاب القول الأول: إلا أنهم حملوا الأمر بزيارة القبور في قوله ?: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) على الوجوب كما هو الأصل عندهم في صيغة الأمر.

قال القرطبي: قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات وموتم البنين والبنات ويواظب على مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت وانجلت به قساوة قلبه فذاك وإن عظم عليه ران قلبه واستحكمت فيه دواعي الذنب فإن مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأول لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير وقائم له مقام التخويف والتحذير وفي مشاهدة من أحتضر وزيارة قبر من مات من المسلمين معاينة ومشاهدة فلذلك كان أبلغ من الأول، فأما الاعتبار بحال المحتضرين فغير ممكن في كل الأوقات وقد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في ساعة من الساعات وأما زيارة القبور فوجودها أسرع والانتفاع بها أليق وأجدر فينبغي لمن عزم على الزيارة أن يتأدب بآدابها ويحضر قلبه في إتيانها ولا يكون حظه منها التطواف على الأجداث فقط فإن هذه حاله تشاركه فيها بهيمة ونعوذ بالله من ذلك بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى وإصلاح فساد قلبه أو نفع الميت بدعائه له، ويتجنب المشي على المقابر والجلوس عليها ويسلم إذا دخل المقابر وإذا وصل إلى قبر ميته الذي يعرفه سلم عليه أيضاً وأتاه من تلقاء وجهه لأنه في زيارته كمخاطبته حياً ولو خاطبه حياً لكان الأدب إستقباله بوجهه فكذلك ها هنا ثم يعتبر بمن صار تحت التراب وأنقطع عن الأهل والأحباب بعد أن قاد الجيوش والعساكر ونافس الأصحاب والعشائر وجمع الأموال والذخائر فجاءه الموت في وقت لم يحتسبه وهول لم يرتقبه فليتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه ودرج من أقرانه الذين بلغوا الآمال وجمعوا الأموال كيف انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم ومحا التراب محاسن وجوههم وافترقت في القبور أجزاؤهم وترمل من بعدهم نساؤهم وشمل ذل اليتم أولادهم واقتسم غيرهم طريفهم وتلادهم وليتذكر ترددهم في المآرب وحرصهم على نيل المطالب وانخداعهم لمواتات الأسباب وركونهم إلى الصحة والشباب وليعلم أن ميله إلى اللهو واللعب كميلهم وغفلته عما بين يديه من الموت الفظيع والهلاك السريع كغفلتهم وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم وليحضر بقلبه ذكر من كان متردداً في أغراضه وكيف تهدمت رجلاه وكان يتلذذ بالنظر إلى ما حوله وقد سالت عيناه ويصول ببلاغة نطقه وقد أكل الدود لسانه ويضحك لمواتات دهره وقد أبلى التراب أسنانه وليتحقق أن حاله كحاله ومآله كمآله وعند هذا التذكر والاعتبار تزول عنه جميع الأغيار الدنيوية ويقبل على الأعمال الأخروية فيزهد في دنياه ويقبل على طاعة مولاه ويلين قلبه وتخشع جوارحه (). قلت: لا شك أن الاتعاظ والاعتبار بزيارة القبور يحتاج إليها الرجال والنساء على السواء، فلا يختص بأحدهما دون الآخر إلا بدليل شرعي ثابت، والخطاب في قوله: (فزوروها) موجه لعامة المكلفين من المسلمين من الرجال والنساء، كما يعمهم الخطاب في جميع التكاليف من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرهم فكذلك هنا في زيارة القبور.

وبهذا يتبين لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن زيارة النساء للقبور جائزة ومستحبة مثل الرجال ما لم تترتب عليها موانع شرعية من نياحة، أو تبرج، أو اختلاط، أو غير ذلك من المخالفات للأدلة التي استدلوا به والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير