تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا أقول: إن المذاهب والانتساب إليها بدعة، ولا التصوف كله ببدعة، لكن لا أحب الانتساب لغير السنة. مع أني مالكي ما قام دليل، أثري مع النص، فإذا استشكل علي أمر رجعت لكتب الأصحاب.

فصل

أما نسبتي الشرك للحافظ أحمد بن الصديق، وكيف تجرأت على ذلك؟.

فالجواب: أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ونسبة قول أو فعل للمرء لا يلزم منه الحكم على المعين به، فليس معنى كلامي أن السيد أحمد خرافي ولا مشرك، حاشى وكلا، ولذلك فقد كنت دقيقا في كلماتي.

وأعود لأستشهد بكلام أبي العباس ابن تيمية، لأني أقول به، فقد قال في "الفتاوى (3/ 229): "هذا مع أني دائما ومن جالسني يعلم مني أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا تارة أخرى وعاصيا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية والقولية والمسائل العملية" ..

ومقصودي بالشركيات: صرف شيء من العبادات لغير الله، كالدعاء والاستغاثة والنذر ... وغير ذلك مما هو من توحيد الألوهية. وهو: توحيد الله بأفعال العباد. وهو الذي صنف فيه الشريف محمد الزمزمي "شرح كلمة التوحيد" وغيره من الكتب، فاتهم أنه يكفر العامة، مع أن الصواب كان معه رحم الله الجميع.

ولأنني أعلم أن السيد أحمد له أدلة على ما يقول، وقد جمعها شقيقه السيد عبد الله في كتابه "الرد المحكم المتين"، وأعلم أن المرء ابن بيئته، وأن هذه المسائل شب عليها الصغير وشاب عليها الكبير، فإني أعذره وأستغفر له، كما أعذر آلافا من العلماء قبله، وأعذر آلافا آخرين من المقلدين ومن الأشاعرة، بل ومن الزيدية والمعتزلة وسائر أهل القبلة، بل لا أتجاسر على تكفير الرافضة الإمامية بمجرد الانتساب للمذهب الإمامي.

لكن أدلة السيد أحمد، رحمه الله، ومن معه هي من المتشابه مقابل المحكم الصريح الذي بعثت به الأنبياء والمرسلون، وقد خطأ خطأ بينا في كتابه "إحياء المقبور من استحباب بناء المساجد على القبور"، وخالف الصريح الواضح المحكم نصرة لفكرته. عفا الله عنه. وقد بينت ذلك بالتفصيل في كتابي "فقه الحافظ".

ونصرَته للبناء على القبور جر ولا شك لبقية الشعائر التي ستقام حول الأضرحة. فهل كان مبدأ الشرك والوثنية إلا هذا؟!. وهل جاءت الأحاديث الكثيرة الواضحة المحكمة في تحريم بل تغليظ البناء على القبور ولعن أصحاب ذلك إلا سدا لذرائع الشرك في الأمة؟!.

والعجيب أن الشيخ أحمد ذكر في "الاستنفار لغزو التشبه بالكفار" أن البناء على القبور من التشبه بالكفار، وقد صدق في ذلك.

كما أن آثار الصحابة في التحذير من قصد آثار الصالحين مخافة الافتتان بها، وآثار العترة الطاهرة من آل البيت واضحة وضوح الشمس.

وكان الإمام مالك رحمه الله وأهل المدينة - معدن الوحي وأصل الرسالة ومستقر كبار الصحابة والعترة - من أشد الناس في هذا كما في "البدع والنهي عنها" لابن وضاح القرطبي.

ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي قال: "قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟: أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته".

وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت: "فلولا ذلك ابرز قبره، غير أنه خشي أن يُتخذ مسجدا". رواه أحمد والشيخان.

وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحارث النجراني قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك".

ولما فتح المسلمون بلاد السوس، وجدوا في تستر رجلا على يسير يستقون به المطر إذا قحطوا، فكتب أبو موسى الأشعري بذلك إلى عمر، وأنه دانيال عليه السلام، أحد أنبياء بني إسرائيل. فأمره عمر أن يحفر في المساء ثلاثة عشر قبرا ويدفنه في أحدها مخافة الفتنة به. رواه ابن أبي شيبة أيضا بسند صحيح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير