ورأى زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيدخل فيها فيدعو، فدعاه فقال: "ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ". قال: "لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم". أخرجه ابن أبي شيبة أيضا، والقاضي إسماعيل في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"، وسنده حسن.
وثبت مثل ذلك عن الحسن بن الحسن بن علي، عليهم السلام، وأوصى أبو جعفر الباقر قال: "لا ترفعوا قبري على الأرض". رواه الدولابي.
وروى ابن جرير في تفسيره، والحاكم في "المستدرك" وقال: "صحيح على شرط البخاري"، ووافقه الذهبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}: "كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين".
وفي البخاري أن وُدا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا قال ابن عباس عنهم: "إنهم كانوا رجالا صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن: انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت".
والعجيب أن الصوفية المتقدمين كانوا قد جردوا التوحيد والقصد لله تعالى، فقد قال أبو القاسم الجنيد سيد الطائفة رحمه الله: "التوحيد: إفراد الحدوث عن القدم".
ومن الماثور عن أبي يزيد البسطامي، رحمه الله، أنه قال: "استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق".
وعن الشيخ أبي عبد الله القرشي أنه كان يقول: "استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون".
قال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}، أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين بغيرك.
وقال تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون. وإذا حُشر الناسُ كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين}. والقرآن مليء بهذا المعنى.
ولعلني أطلت في هذا لشدة أهميته، ولتوضيح حكمي على تلك الأفعال بالشرك، وإنكاري للقبورية وشعائرها من استغاثة وقصد للقبور، كما هو مذهب الصحابة والعترة رضي الله عن الجميع.
ولا يشكل على هذا كله ولا يعكر عليه ما رواه أبو عبد الرحمن السلمي في "طبقات الصوفية" عن الحافظ أبي إسحاق الحرب، أحد أيمة السنة والحديث، أنه قال: "قبر معروف الترياق المجرب". فإنه من أخطائه التي خالف بها الصحابة والتابعين. وكل منا راد ومردود عليه إلا صاحب القبر الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
كما أن ذكري للتوسل جاء تبعا، وإلا فإني أعده من المسائل الخلافية التي يتسع فيها الأمر بين المختلفين، وأدلة الفريقين قوية. وقد قال بالتوسل جماعة من الأيمة الكبار، وحديث الأعمى أقول به وأعمل به. والله الموفق.
-يتبع-
ـ[بدر العمراني]ــــــــ[17 - 01 - 06, 11:55 م]ـ
تعليقات جيدة، جزى الله راقمها. و لا بأس من التنبيه على أمرين هما:
رسالة السيوطي "الشرف المحتم" قد انتقدها الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله، برسالة محكمة سماها "النقد المبرم لرسالة الشرف المحتم" و هي مطبوعة ضمن كتابه "أولياء و كرامات" المنشور عن مكتبة القاهرة.
كتاب "زاد المتقين في صحيح أذكار سيد المرسلين" قد طبع طبعة أخرى صغيرة في حجم كتب الجيب. فليعلم.
ـ[محمد بشري]ــــــــ[18 - 01 - 06, 01:33 ص]ـ
-بارك الله فيكم،ومما قد يستدرك على الشيخ حسن أيضا تعقيبه على وصف المؤلف بأن كتاب ابن عاشر في الفقه مع أنه حوى مقدمة عقدية وخاتمة في السلوك،فالذي يظهر أن الاعتراض لا وجه له فالحكم أغلبي ودرج العلماء على وصف المرشد المعين بأنه كتاب فقه،وكذا يصفون الرسالة لابن أبي زيد مع أنها حوت مقدمة عقدية.
وجزى الله الله خيرا الأخ الكريم الكتاني على مجهوداته.
ـ[إبراهيم السلفي الخريبكي]ــــــــ[18 - 01 - 06, 05:00 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله.
هل من الممكن أن تقوم يا حمزة الكتاني بكتابة تراجم للعلماء الكتانيين و هذا من باب الإعتراف بالجميل و الفضل لهذا البيت العريق نسبا و دينا.
و بارك الله فيكم و عجل الله بسراح شيخنا الحسن بن علي الكتاني ... آمين.
ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[18 - 01 - 06, 07:11 م]ـ
¥