تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن من قرأ القرآن بتمعن و درس سيرة الأنبياء مع أقوالهم تبين له أن مشكلتهم معهم لم تكن في إثبات وجود الله تعالى ولا أنه المحيي المميت الرزاق النافع الضار، فإن هذا مما لم يكونوا يجادلون فيه، بل و لا كانوا ينكرون القدر و لا الملائكة و لا الجن و لا الشياطين.

بل كانوا يدعون الله تعالى و يحجون و يغتسلون من الجنابة و يعظمون الحرم بيت الله تعالى، و عامة العرب كانت تعظم أهل الحرم لأنهم عندهم أهل الله. و كان العرب يزعمون أنهم على دين إبراهيم الخليل عليه السلام أما الأصنام فقد كانوا يتوسلون بها إلى الله و يستشفعون بها إليه. فإذا ضاقت بهم السبل و انقطعت الآمال أخلصوا العبادة لله تعالى كما قال سبحانه: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}، و قال جل و عز: {و إذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد و ما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور}. و قال: {ألا لله الدين الخالص، و الذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. و قال: {و إذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبًا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل و جعل لله أندادًا ليضل عن سبيله}. و قال سبحانه: {و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن الله}. و قال جل و علا: {و لئن سألتهم من خلق السماوات و الأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم}.

إلى غير ذلك كثير. حتى إنهم كانوا يقولون في تلبيتهم في الحج: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك تملكه و مل ملك)!!.

و قد بينت لك آنفًا أن أصل الشرك: هو تعظيم و تقديس مشاهد الصالحين كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما و عن أبي جعفر الباقر عليه السلام فيما رواه عبد بن حميد و ابن أبي حاتم في "تفسيرهما" عند ذكر ود و سواع و غيرهما من أصنام المشركين.

و روي أن (اللات) كان يلت لهم السويق فلما مات عكفوا على قبره!

و روى ابن أبي شيبة في "المصنف" بسند صحيح عن المعرور بن سويد قال: خرجنا مع عمر في حجة حجها، فقرأ بنا في الفجر: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} و {لإيلاف قريش}، فلما قضى حجه و رجع و الناس يبتدرون، فقال: "ما هذا؟ ". فقالوا: "مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقال: "هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعًا. من عرضت له منكم فيها الصلاة فلبصل، و من لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل".

ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قول المرء: "ما شاء الله وشئت"، وقال له: "أجعلتني لله ندا؟ "، وقال: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك".

إلى غير ذلك كثير في القرآن والسنة يقرر خطورة الشرك العملي بصرف شيء من العبادات لغير الله تعالى.

وبذلك ترى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام والعترة الطاهرة والتابعين وأيمة أهل المدينة المنورة – دار الهجرة والنصرة – ومن اقتفى أثرهم، كل أولئك حذروا من شرك العبادة.

وقد نص على تقسيم التوحيد إلى ربوبية وعبودية وألوهية الإمام الجليل أبو عبد الله ابن بطة العكبري في كتابه "الإبانة الصغرى"، ونص على كون دعاء الأموات من الشرك بالله: أبو الوفاء ابن عقيل فيما حكاه عنه أبو الفرج ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" ووافقه عليه، رحمهم الله تعالى جميعا.

أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فله في ذلك مؤلفات كثيرة، منها: "الاستغاثة والرد على البكري"، ومنها: "الجواب الباهر لزوار المقابر"، وغيرها كثير.

وتبعه على ذلك جماعة من أصحابه؛ كالحفاظ ابن القيم في "إغاثة اللهفان"، وابن عبد الهادي في "الصارم المنكي"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، وتلميذه ابن أبي العز في "شرح الطحاوية".

ثم جماعة من أهل الحديث في الهند من أصحاب الإمام المجدد شاه أحمد ولي الله الدهلوي، مثل الشيخ محمد إسماعيل، ومحمد حياة السندي ... وغيرهما، إلى السيد صديق حسن خان في كتابه الجليل "الدين الخالص".

وكذلك أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب التميمي، إمام الدعوة النجدية، وجميع أصحابه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير