ومنهم: القاضي عبد الحفيظ بن الطاهر الفاسي الفهري. وله المؤلفات الهامة في التراجم والإسناد، والدعوة من خلال ذلك لطريقة السلف أيضا، وترك البدع.
وعدد كبير آخر فيهم أدباء وشعراء ومؤرخون، كلهم كانوا يلهجون بهذا الشيخ.
ومن أشهر أصحاب أبي شعيب الدكالي، وحاملي رايته من بعده: العلامة الشريف محمد بن العربي العلوي، رحمه الله تعالى، وقد ذكرته في هذا القسم لأنه كان مداخلا للدولة، وتولى الوزارة في ظل المحتل مدة من الزمان، غير أنه لما نفي السلطان محمد بن يوسف سنة 1373هـ وبويع ابن عمه محمد بن عرفة، قام في ذلك قياما عظيما، وكان يفتي خلايا الوطنيين بالقتال، قتال المناهضين لمحمد الخامس، وجاهر المحتل بالعداوة فنفوه للصحراء، ونالته جملة من المحن. والتف حوله الوطنيون بعد وفاة الدكالي، وجعلوه شيخا للإسلام بالمغرب.
وقد كان ابن العربي العلوي أشد في نقده للصوفية من شيخه الدكالي. ولما استقل المغرب اعتزل بُعَيْد ذلك لكونه رأى ما لا يسره من انحراف الحكم عن الإسلام، إلى أن توفي سنة 1384، ولم يصنف شيئا.
لكن ابن العربي غريب الأطوار، وله مواقف عجيبة لا علاقة لها بالسنة ولا بالسلف، فمنها: أنه أفتى المغاربة بالقتال تحت راية الجيوش الفرنسية في أوروبا، ومنها: أنه كان من المناصرين لقضية تحرير المرأة، ومنها: أنه ناصر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الاشتراكي المنشق عن حزب الاستقلال بزعامة مهدي بن بركة، وكانوا يعدونه شيخهم وزعيمهم الروحي!!.
إلى أمور أخرى لا أطيل بذكرها.
فصل
ومن القسم الثاني من أصحاب أبي شعيب الدكالي: زعماء حزب الاستقلال والوطنيون مثل: علال بن عبد الواحد الفاسي الفهري، ومحمد إبراهيم بن أحمد بن جعفر الكتاني، ومحمد غازي، وأبي الشتاء الجامعي، ومحمد المكي الناصري ... وغيرهم كثير.
ومما يجدر ذكره: أن الحركة الوطنية رفعت راية الدعوة السلفية ومحاربة البدع وتجديد الدين، ولكنها وجميع من ذكرت لك من أصحاب أبي شعيب الدكالي كانوا مبهورين بالحضارة الغربية، مفتونين بها، فكانت (السلفية) عند كثير منهم قنطرة أدت إلى العلمانية بعد ذلك، خاصة في الجيل الذي لم يدرس العلوم الشرعية وما بعده.
ولذلك فهم أول من تأثر بالعدو المحتل في لباسه وشكله وحياته، ثم في مجاراته في قضية تحرير المرأة، وكانت الطامة بتنحية الشريعة الإسلامية وتحكيم القوانين الوضعية.
نعم؛ جل أولئك الذين ذكرت لم يرضوا بهذا ولا فرحوا بذلك، لكن من كان معهم من الزعماء سلب منهم زمام المبادرة، فذهبت صيحاتهم مع الريح.
وقد كتب علال الفاسي كتابه "دفاعا عن الشريعة" ينتقد ما حدث، وكذلك كتب محمد إبراهيم الكتاني أن استقلالنا لن يكتمل حتى نعود لشريعتنا، وغيرهم كتب، لكن زمام المبادرة كان في يد العلمانيين.
ولعل من أسباب ذلك: أن الدعوة السلفية لهؤلاء تأثرت بحركة الأفغاني ومحمد عبده الماسونيين، وهي تشبه في جانب محاربة البدع وترك التقليد الدعوة السلفية السُنية، التي يدعو إليها علماء السنة والأثر، لكن عند التعمق وإنعام النظر يظهر الفرق الشاسع بين الطريقتين.
فصل
أما الذي دعا لنبذ كل شيء، والعودة إلى منهاج السلف كاملا؛ فهو العلامة المحدث أبو سالم عبد الله بن إدريس السنوسي، رحمه الله تعالى، والمتوفى سنة 1350.
فقد أخذ العلم بالقرويين ثم سافر للمشرق، للحرمين وغيرهما. ولقي أهل الحديث من الهنديين، فتأثر بإمامهم السيد نذير حسين المحدث الدهلوي، رحمه الله تعالى، ولعله تأثر بالحركة الوهابية أيضا، فعاد للمغرب زمن السلطان الحسن بن محمد بن عبد الرحمن، فأعلن بقوة نبذ المذهب والعمل بالدليل، وأن الأشاعرة ضلال جهمية، والصوفية مبتدعة. فاتهموه بالخارجية والاعتزال والضلال المبين.
واستقر به المقام في طنجة يشرح صحيح البخاري، ويكفله السلطان عبد العزيز بن الحسن بعدما عزل من الملك. وقد تأثر به جماعة واستجازوه ومنهم جملة ممن ذكرت في أصحاب الدكالي.
وإنما أضعف السنوسي: حدته الكبيرة، فلم يلطف العبارة ولا اعتبر بزمانه، كما أن صحبته للسلطان اثرت في نظرة الناس إليه. لكنه كان أقوم وأحسن من الدكالي، ولكنه لم يؤلف هو كذلك.
وقد خلفه في هذا المنهج تقي الدين الهلالي الذي أخذ عن ابن العربي العلوي، ثم شد الرحال يطلب الحديث والسنة، فوصل للهند، وأخذ عن المباركفوري الإمام المحدث صاحب "تحفة الأحوذي" وعن غيره، ثم استقر في الحرمين بعدما دخلا تحت حكم النجديين آل سعود، وتوطدت علاقته بهم، واطلع على كتب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، وطاف في كثير من البلاد كما فصل ذلك في كتابه "الدعوة إلى الله"، وصنف كتبا عديدة.
ولما عاد للمغرب اصطدم أولا بابن الصديق، ثم اتفقا على التعاون فيما اتفقا عليه والسكوت عما اختلفا فيه، ولما اختلف السيد الزمزمي مع أخيه حصل تعاون بينه وبين الهلالي.
وقد ترك الهلالي جماعة كبيرة من الأصحاب في العديد من مدن المغرب لا نطيل بذكرهم، وكان فيه حدة زائدة، وتسرع في الحكم على الناس بالكفر والضلال، مع مبالغة في مدح ذوي السلطان لا تجمل بعالم رباني. وقد توفي سنة 1407 غفر الله له ورحمه، ورحم سائر علماء المسلمين.
فهذه فدلكة ذكرتها لأعطي كل ذي حق حقه، وحقها البسط والتفصيل، لكن المقام لا يحتمل، مع انشغال البال، وترادف الأهوال. ومع هذا فإني أقول مع الشاعر المغربي محمد المهدي بن محمد بن الحسن الحجوي رحمه الله:
أرى أملا للغرب أبيضُ أُفقُهُ/////يلوح بليل اليأس منه سنى البرق
عليه من العليا بشائر نهضة/////تهدد أركان التسلط والرق
بها ينهض الوسنان من غفلاته/////ويخرج هذا الشعب من ثوبه السحق
ويسترجع المجد الذي طال عرقه/////فأكرم به بين الأماجد من عرق
ولا شك أن البرق يلمع صادقا/////وأن وراء البرق لا بد من وَدق
لأني أرى غيما تلبد في الفضا/////وسحبا قد امتدت هنالك في الأفق
تؤلفها ريح اراها ندية/////تطوف إذا هبت من الغرب للشرق
-يتبع-
¥