تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أجل: كيف بابتسامة رجل يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر، وإذا تكلم رؤى كالنور يخرج من بين ثناياه؟ إنها البسمة الشفاء لا ريب، ولذلك استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم تخفيفا عن أصحابه صلى الله عليه وسلم، وامتصاصا لغضبهم في أحيان كثيرة، و ها هو صلوات الله عليه يدركه أعرابي جاف وهو يمشى وعليه برد نجرانى غليظ الحاشية فيجبذه جبذة شديدة جعلت البرد تؤثر في صفحة عنقه، ثم يقول له: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك000 وللقارئ هنا أن يتخيل مقدار ما كان للصحابة من غيظ وحنق لصنيع هذا الإعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وله أن يتخيل كم كان هذا الموقف يحتاج إلى تصرف موافق من رسول الله صلوات الله عليه ليلطف الجو المشحون بالتوتر، وهنا يبرز دور البسمة النبوية من الوجه المشرق الكريم، يقول أنس بن مالك- راوي الحديث:" فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء"

قال النووي:"000 وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه الجميل "0 وقال الحافظ ابن حجر:"000 و ليتأسى به الولاه بعده في خلقه الجميل من الصفح والاغضاء والدفع بالتي هي أحسن"0 أرأيت لو لم تكن هذه البسمة ماذا كان يكون رد الفعل من الصحابة؟ إن مثل هذه المواقف تزيد من اليقين بقوله تعالى واصفا النبي صلى الله عليه وسلم:

(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)

(التوبة/)

مثل هذا الملمح التربوي في اثر البسمة النبوية في نفسية أصحابه يلمحه الناظر في هذا المشهد مع خادمه أنس بن مالك، قال أنس:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة فقلت: والله لا أذهب. وفي نفسي أن اذهب لما أمر به نبي الله صلى الله عليه وسلم. قال: فخرجت حتى أمر علي صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه- وهو يضحك- وقال: يا أنيس. اذهب حيث أمرتك .. "

أن الابتسامة هذا عملية (تخفيف) مرافقه لتأديبه خادمه، وحمله علي اتباع التكليفات وعدم التهاون في أداء عمله، وهي تعني الجمع بين المتابعة والتوجيه، وبين الرفق في هذه العملية، ولا شك أن (أنسا) قد أثرت فيه هذه الابتسامة التي فوجئ بها حين التفت خلقه ينظر من الذي قبض بقفاه .. إنها أول شئ طالعة، وصاحبها اللوم الخفيف، والتوجيه الرفيق: يا أنيس. اذهب حيث أمرتك، ولا شك أنها تركت من الأثر النفسي الطيب ما جعله يختزنها في ذاكرته حتى يقصها علي الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، معقبا علي ذلك بقوله:

"والله لقد خدمته سبع سنين-أو تسع سنين-ما علمت قال لشئ صنعت لم صنعته؟ ولا لشئ تركت: هلا فعلته؟ "

الضحك شكر للنعمة:

وقد يتخذ (الضحك النبوي) مرمى أخر في إطار النهج التربوي، وهو التعبير عن الشعور بالنعمة من الله تعالى، وكأنه الاستقبال الأولى والشكر المباشر لهذه النعمة، ولا شك أن السرور بالنعمة شكر مبدئي لها، ولم تكن نعمة من النعم- في حياة النبي الشخصية أجمل من براءة زوجه عائشة رضي الله عنها، والمتتبع لروايات الحادثة التي اشتهرت عند الإخباريين والمحدثين بحديث الإفك-يشعر بمدي الحزن الذي أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من جراء تهجم هذا القبيح علي عرضه المبارك. و ها هي أم المؤمنين عائشة تروي هذا الطرف الذي تظهر فيه براءته، وما صاحبها من تعبير بالابتسام عن شكر الله علي هذه النعمة العظيمة، تقول"000 حتى أنزل الله علي نبيه، وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي000 فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك " قالت عائشة " فو الله الذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب ما زال يضحك حتى إني لأنظر إلى نواجذه سرورا ". هذا السرور هو انشراحة الصدر للنعمة، وري الفؤاد بالفضل. والفرح لهذه النعم مشروع، يقول الله تعالى.

(قل بفضل الله وبنعمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)

(/)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير