تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: أن الأصل السلامة من النسخ حتى يثبت ورود الناسخ والعام ظاهر في العموم حتى يثبت ورود المخصص، والمطلق ظاهر في الإطلاق حتى يثبت ورود المقيد، والنص يجب العمل به حتى يثبت النسخ بدليل شرعي، والظاهر يجب العمل به عموماً كان أو إطلاقاً أو غيرهما حتى يرد دليل صارف عنه إلى المحتمل المرجوح، ولا يخفى على عاقل أن القول بمنع العمل بكتاب الله وسنة رسوله ? اكتفاءً عنهما بالمذاهب المدونة وانتفاء الحاجة إلى تعلمهما لوجود ما يكفي عنهما من مذاهب الأئمة من أعظم الباطل وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله ? وإجماع الصحابة، ومخالف لأقوال الأئمة الأربعة، فمرتكبه مخالف لله ولرسوله ? ولأصحابه رضي الله عنهم أجمعين وللأئمة الأربعة رحمهم الله جميعاً،

الوجه الثاني أن غير المجتهد إذا تعلم آيات القرآن أو بعض أحاديث النبي ? ليعمل بها تعلم ذلك النص العام أو المطلق، وتعلم معه مخصصه ومقيده إن كان مخصصاً أو مقيداً وتعلم ناسخه إن كان منسوخاً، وتعلم ذلك سهل جداً بسؤال العلماء العارفين به، ومراجعة كتب التفسير والحديث المعتد بها في ذلك، والصحابة كانوا في العصر الأول يتعلم أحدهم آية فيعمل بها، وحديثاً فيعمل به، ولا يمتنع من العمل بذلك حتى يحصل رتبة الاجتهاد المطلق، وربما عمل الإنسان بما علم فعلمه الله ما لم يكن يعلم كما يشير إليه قوله تعالى ? وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ? (1)

وقوله تعالى ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ? (2) على القول: بأن الفرقان: هو العلم النافع الذي يفرق به بين الحق والباطل،

وقوله تعالى ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? (3) وهذه التقوى التي دلت الآيات على أن الله يعلم صاحبها بسببها ما لم يكن يعلم لا تزيد على عمله بما علم من أمر الله، وعليه فهي عمل ببعض ما علم زاده الله علم ما لم يكن يعلم، فالقول بمنع العمل بما علم من الكتاب والسنة حتى يحصل رتبة الاجتهاد المطلق: هو عين السعي في حرمان جميع المسلمين من الانتفاع بنور القرآن حتى يحصلوا شرطاً مفقوداً في اعتقاد القائلين بذلك، فيجب على كل مسلم يخاف العرض على ربه يوم القيامة أن يتأمل فيه ليرى لنفسه المخرج من هذه الورطة العظمى والطامة الكبرى التي عمت جل بلاد المسلمين من المعمورة: وهي ادعاء الاستغناء عن كتاب الله وسنة رسوله ? استغناء تاماً في جميع الأحكام من عبادات ومعاملات وحدود وغير ذلك بالمذاهب المدونة، وبناء هذا على مقدمتين إحداهما أن العمل بالكتاب والسنة لا يجوز إلا للمجتهدين،

والثانية أن المجتهدين معد ومون عدماً كلياً لا وجود لأحد منهم في الدنيا، وأنه بناء على هاتين المقدمتين: يمنع العمل بكتاب الله وسنة رسوله ? منعاً باتاً على جميع أهل الأرض ويستغنى عنهما بالمذاهب المدونة، وزاد كثير منهم على هذا منع تقليد غير المذاهب الأربعة، وأن ذلك يلزم استمراره إلى آخر الزمان، فتأمل يا أخي رحمك الله كيف يسوغ لمسلم أن يقول بمنع الاهتداء بكتاب الله وسنة رسوله ? وعدم وجوب تعلمهما والعمل بهما استغناء عنهما بكلام رجال غير معصومين، ولا خلاف أنهم يخطئون، فإن كان قصدهم أن الكتاب والسنة لا حاجة إلى تعلمهما وأنهما يغني غيرهما عنهما، فذلك بهتان عظيم ومنكر من القول وزور، وإن كان قصدهم أن تعلمهما صعب لا يقدر عليه فهو أيضاً زعم باطل، لأن تعلم الكتاب والسنة أيسر من تعلم مسائل الآراء والاجتهاد المنتشرة مع كونها في غاية التعقيد والكثرة، والله يقول في سورة القمر عدة مرات ? وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ? (1) ويقول في سورة الدخان ? فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ? (2) ويقول في سورة مريم ? فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً? (3) فهو كتاب ميسر بتيسير الله لمن وفقه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير