وخرج الإمام أحمد من طريق حماد، عن بشر بن حرب، قال: سمعت سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها حين يذكرها، ومن الغد للوقت).
خرجه الإمام أحمد.
وخرجه – أيضا- من طريق همام، عن بشر، عن سمرة، قال: أحسبه مرفوعاً –فذكره.
قال أحمد في رواية أبي طالب: هو موقوف.
يعني: أن رفعه وهم.
وبشر بن حرب، ضعفه غير واحد.
وخرجه البزار في (مسنده) من طريق أولاد سمرة، به، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا إذا نام أحدنا عن الصلاة أو نسيها حتى يذهب حينها التي تصلى فيه أن نصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة.
وفي إسناده يوسف السمتي، وهو ضعيف جداً.
وفيه: دليل على أنه لا يجب قضاؤها على الفور.
المسألة الثانية:
إذا نسي صلاةً، ثم ذكرها بعد أن صلى صلوات في مواقيتهن، فإنه يعيد تلك الصلاة المنسية وحدها.
وهذا هو معنى ما حكاه عن النخعي.
وهذا يبنى على أصل، وهو: أن ترتيب القضاء، هل هو واجب، أم لا؟ وفيه اختلاف، سيذكر في الباب الآتي – إن شاء الله تعالى.
ومذهب الشافعي: أنه مستحب غير واجب، وحكي رواية عن أحمد، وجزم بها بعض الأصحاب.
ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد – في المشهور عنه-: أنه واجب.
ثم اختلفوا:
فقال أبو حنيفة ومالك: يجب الترتيب فيما دون ست صلوات، ولا يجب في ست صلوات فصاعداً.
وقال أحمد: يجب بكل حال.
وحكى ابن عبد البر الإجماع على خلافه.
فمن قال: إنه غير واجب، قال: لا يجب الترتيب بين الصلوات الفوائت في القضاء، ولا بين الفائت والحاضر.
ومن قال: إنه واجب، فهل يسقط الترتيب عندهم بنسيان الثانية حتى يصلي صلوات حاضرة، أم لا يسقط بالنسيان؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه يسقط بالنسيان، وهو قول النخعي، كما ذكره البخاري عنه، وقول الحسن وحماد والحكم وأبي حنيفة والحسن بن حي، وأحمد في ظاهر مذهبه، وإسحاق.
والثاني: لا يسقط بالنسيان – أيضا-، فيعيد الفائتة وما صلى بعدها.
وحكي رواية عن أحمد، حكاها بعض المتأخرين عنه، والله أعلم بصحتها عنه.
وأمامالك، فعنده: إن ذكر قبل أن يذهب وقت الحاضرة، وقد بقي منه قدر ركعة فصاعداً أعادهما، وإن بقي دون ذلك، أو كان الوقت قد ذهب بالكلية أجزأه.
وأماإن صلى الحاضرة، وعليه فائتة، وهو ذاكر لها:
فمن اشترط الترتيب أوجب قضاء ما صلاه وهو ذاكر للفائتة.
ومن لم يوجب الترتيب، لم يوجب سوى قضاء الفائتة.
ويحتمله كلام النخعي الذي حكاه عنه البخاري، ولكن روي عنه صريحاً خلافه.
فروى مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا ترك صلاة متعمداً عاده وعاد كل صلاة صلاها بعدها.
فيكون الذي حكاه البخاري عنه محمولاً على حال النسيان، أو يكون عن النخعي روايتان.
وكان الإمام أحمد لشدة ورعه واحتياطه في الدين يأخذ في مثل هذه المسائل المختلف فيها بالاحتياط، وإلا فإيجاب سنين عديدة فيها صلاة واحدة فائتة في الذمة لا يكاد يقوم عليه دليل قوي. والذي صح عن ابن عمر في ذلك، إنما هو في صلاة واحدة فائتة ذكرت مع اتساع وقت الحاضرة لهما، فلا يلزم ذلك أن يكون حكم الصلوات إذا كثرت أو تأخر قضاؤها حتى صلى صلوات كثيرة في أوقاتها كذلك.
وبهذا فرق أكثر العلماء بين أن تكثر الفوائت أو تقل.
ولم ير مالك إلا إعادة الصلاة التي وقتها باق خاصة، فإن إيجاب إعادة صلوات سنين عديدة لأجل صلاة واحدة فيه عسر عظيم، تأباه قواعد الحنيفية السمحة.
وقد أخبرني بعض أعيان علماء شيوخنا الحنبليين، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، وسأله عما يقوله الشافعي وأحمد في هذه المسائل: أيهما أرجح؟ قال: ففهمت منه صلى الله عليه وسلم، أنه أشار إلى رجحان ما يقوله الشافعي – رحمه الله.
ومما يدل على صحة ذلك: حديث عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم).
فهذا يدل على أن من عليه صلاة واحدة لم يأمره الله بأن يصلي زيادة عليها.
قال البخاري – رحمه الله -:
597 - ثنا أبو نعيم وموسى بن إسماعيل، قالا: ثنا همام، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، [لا كفارة] لها إلا ذلك؛ {وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]).
قال موسى: قال همام: سمعته يقول بعد: {?وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}.
وقال حبان: ثنا همام: ثنا قتادة: ثنا أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم - نحوه.
¥