تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بارك الله فيكم شيخنا عبدالرحمن

وبالنسبة لقول شيخ الإسلام رحمه الله في المسألة فقد عزا إليه البرهان ابن القيم القول بعدم القضاء كما في اختيارات شيخ الإسلام ص125, قال: ((وأنَّ تارك الصلاة عمدا إذا تاب لا يُشرعُ له قضاؤها, بل يُكثر من التطوع)) أ. هـ

ولكن كلام شيخ الإسلام رحمه الله في كتبه بخلاف هذا.

ففي مجموع الفتاوى (22/ 19) يقول رحمه الله: ((واختلف الناس فيمن ترك الصلاة والصوم عامدا هل يقضيه:

فقال الاكثرون: يقضيه.

وقال بعضهم: لا يقضيه؛ ولا يصح فعله بعد وقته كالحج.

وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال عن الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها: ((فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة)) , ودل الكتاب والسنة واتفاق السلف على الفرق بين من يضيع الصلاة فيصليها بعد الوقت والفرق بين من يتركها, ولو كانت بعد الوقت لا تصح بحال لكان الجميع سواء, لكن المضيع لوقتها كان ملتزما لوجوبها؛ وإنما ضيع بعض حقوقها - وهو الوقت - وأتى بالفعل, فأما من لم يعلم وجوبها عليه جهلاً وضلالاً أو علم الإيجاب ولم يلتزمه فهذا إن كان كافرا فهو مرتد وفى وجوب القضاء عليه الخلاف المتقدم لكن هذا شبيه بكفر النفاق)) أ. هـ

وفي ص103 من المجلد نفسه حكى الخلاف من غير ترجيح فقال: ((وأما من كان عالماً بوجوبها وتركها بلا تأويل حتى خرج وقتها الموقت:

فهذا يجب عليه القضاء عند الأئمة الأربعة, وذهب طائفة منهم ابن حزم وغيره إلى أن فعلها بعد الوقت لا يصح من هؤلاء, وكذلك قالوا فيمن ترك الصوم متعمداً, والله سبحانه وتعالى أعلم)) أ. هـ

وفي مجموع الفتاوى (25/ 263): ((وسُئل عن رجل أفطر نهار رمضان متعمداً ثم جامع, فهل يلزمه القضاء والكفارة؟ أم القضاء بلا كفارة؟

فأجاب: عليه القضاء, وأما الكفارة فتجب في مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة, ولا تجب عند الشافعي)) أ. هـ

وقال في شرح العمدة كتاب الصلاة (بتحقيق المشيقح) ص231:

((فصل

ومن لم يصل المكتوبة حتى خرج وقتها وهو من أهل فرضها لزمه القضاء على الفور لما روى أنس بن مالك 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) متفق عليه, وفي رواية لمسلم: إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول: {أقم الصلاة لذكري} و في لفظ: من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها إن يصليها إذا ذكرها.

وعن أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نحوه, رواه مسلم وغيره.

وعن أبي قتادة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في قصة نومهم عن الصلاة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ((ليس في النوم تفريط فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) رواه الجماعة إلا البخاري.

فأوجب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - القضاء على الفور مع التأخير لعذر, فمع التأخير لغير عذر أولى.

فإن قيل: تخصيص الحكم بالناسي دليل على أن العامد بخلافه, وقد قال ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: (إن للصلاة وقتاً كوقت الحج) و هذا يدل على أن لا تُفعل في غير الوقت.

قلنا: إنما خص النائم و الناسي إذ لا إثم عليهما في التأخير إلى حين الذكر والانتباه؛ بخلاف العامد فكان تأخيرها عن وقتها من الكبائر, ومعنى قول ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أنه لا يحل له أن يؤخرها عن وقتها, ولا يقبل منه إذا أخرها, كما قال الصديق 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: (إن لله حقاً بالليل لا يقبله بالنهار, وحقاً بالنهار لا يقبله بالليل) , و ذلك أن الله تعالى أوجب عليه أن يصلي, وأن يفعل ذلك في الوقت.

فالإخلال بالوقت لا يوجب الإخلال بأصل الفعل, بل يأتي بالصلاة ويبقى التأخير في ذمته, إما أن يعذبه الله أو يتوب عليه أو يغفر له , ولم يرد أن الصلاة كالحج من كل وجه, فإن الحج لا يفعل في غير وقته سواء أخر لعذر أو لغير عذر, والصلاة بخلاف ذلك, ومثل هذا ما رُوي (أنَّ مَن أفطر يوماً مِن رمضان لم يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه) , يعني: من أجل تفويت عين ذلك اليوم مع أن القضاء واجب عليه.

ويدل على ذلك أن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - و غيرهما من السلف جعلوا ترك الصلاة كفرا, و تأخيرها عن وقتها إثما و معصية, وفسروا بذلك قوله تعالى: {عن صلاتهم ساهون} و قوله تعالى: {أضاعوا الصلاة}

فلو كان فعلها بعد الوقت لا يصح بحال - كالوقوف بعرفة - بعد وقته لكان وجود تلك الصلاة كعدمها, وكان المؤخر كافرا كالتارك.

وقد أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن الأمراء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها وأمر أن يُصلَّى خلفهم, ولو كانت الصلاة فاسدة لم تصح الصلاة خلفهم كالمصلي بغير وضوء)) أ. هـ

فلعل نسبة القول بعدم القضاء إلى شيخ الإسلام رحمه الله فيها نظر والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير