والذي يظهر لي أن قول الإنسان يا رحمة الله وأشباه ذلك لا يستلزم أن الصفة شيء مستقل منفصل عن الله يسمع ويجيب، فإن صفته تعالى منه لا يمكن أن تكون منفصله عنه، وبعد مداخلتيَّ هاتين وتفضلكم بالجواب بحثت فوجدت أن الشيخ ابن عثيمين رحمه قد سئل-بعد حديثه عن المنع من عبادة الصفة أو دعائها-هل قول الإنسان: يا رحمة الله، يدخل في دعاء الصفة الممنوع؟
فأجاب بقوله: إذا كان مراد الداعي بقوله: " يا رحمة الله " الاستغاثة برحمة الله - تعالى - يعني أنه لا يدعو نفس الرحمة ولكنه يدعو الله - سبحانه وتعالى - أن يعمه برحمته كان هذا جائزاً، وهذا هو الظاهر من مراده، فلو سألت القائل هل أنت تريد أن تدعو الرحمة نفسها أو تريد أن تدعو الله - عز وجل - ليجلب لك الرحمة؟ لقال: هذا هو مرادي ".
هذا المراد غير خاف على بعض من أجابك من طلاب العلم، وقد كان من جملة ما سطر في جوابه ما نصه:
" فلا يلزم من ذلك أن تكون الصفة في اعتقاده شيئاً مستقلاً منفصلاً يسمع ويجيب، ولا يلزم خلاف ذلك.
ولا يلزم كذلك أن نأبيعتقد إرادته للدعاء.
وذلك لأن كلاً من النداء والصفة التي نادى مجمل. والمجمل يحتاج إلى تبيين.
فأما النداء فقد يريد به دعاءً أو أمراً أو التماساً.
وأما الصفة فقد يريد بالنصر الفعل الذي هو صفة الله، وقد يريد به المفعول الذي هو نصر الله المخلوق".
وأماالكلمة: (نأبيعتقد) فقد ظننت أني كتبتها (أن يعتقد) أو نحوها لا أذكر الآن.
والشاهد أن هذه الجزئية مفروغ منها سلفاً.
ولكن موضوع سؤال السائل المنقول والذي علق المقال كله من أجله هو قوله: " فهل يجوز الاستغاثة بصفات الله".
ولم يسأل –كما ترى عن مطلق النداء هل يلزم منه الاعتقاد الذي ذكرتم، أوهل يلزم منه الدعاء؟ فهذا موضوع آخر لم يكن تعليق المقال –فيما يظهر- لأجله.
ولعلكم تراجعون الرد قبل الماضي (أرفق في أول هذا الرد أعلاه) فإن فيه نص الجواب على هذا وهو قريب من الجواب المنقول عن الشيخ العلامة ابن عثيمين.
ولهذا كان من الطبيعي بعد بيان جواب السؤال الذي أوردتم، أن ينصب الحديث إلى أصل المسألة وإلى الإشكال الذي قد ينبني عند البعض فيحتج به على جواز دعاء الصفة أو عبادتها. ولهذا كان جل الكلام على هذا.
===
ثم قلتم بورك فيكم: " ومن مجمل ما جاء من الأحاديث الواردة في الموضوع يظهر الفرق بين عبادة الصفة ودعائها، وبين الاستعاذة بها والاستغاثة بها ففي حين أن دعاء الصفة أو عبادتها لم يدل عليها نص كما لم يقل بها أحد من أهل العلم، ... ".
أما عبادة الصفة فأمر واسع يندرج تحته دعاؤها والاستغاثة بها، وغير ذلك من أنواع العبادة، فإن سلمتم بأن عبادتها لا تجوز كما هو ظاهر عبارتكم هنا، فمن العبادة الاستغاثة، بل الاستغاثة تندرج تحت الدعاء فهي في اللغة دعاء خاص وإذا انعقد الإجماع على منع دعاء الصفة تناول هذا الأخص فدخلت فيه الاستغاثة.
ولايقال هنا دلت الأدلة على تخصيص الاستغاثة من هذا العموم، وذلك لأمور منها:
1 - أن الأصوليين كما نصوا على منع القول بنسخ الإجماع، نصوا على منع تخصيص الإجماع بالكتاب والسنة المتواترة وقالوا هو غير جائز للإجماع ولأن إجماعهم على الحكم العام مع سبق المخصص خطأ، والإجماع على الخطأ لا يجوز، وعلى هذا نص صاحب المحصول وغيره.
2 - لايسلم ابتداء بأن هناك دليل يصح أنه يخصص عمومات الشريعة المانعة من صرف العبادة سواء كانت استغاثة أو غيرها إلى غير الله الذي هو علم على الذات المقدسة، لا بعض صفاتها. وكذلك الأدلة الآمرة بصرف العبادة لله وحده، فضلاً عن أن يخصص الإجماع! ومع أن الجدل حول هذا تحصيل حاصل إذا تقررت المسألة الأولى، إلاّ أن في بقية الرد بيان لشيء من هذا.
==
قلتم –بورك فيكم-: " الاستغاثة بالصفة والاستعاذة بها قد وردت في أحاديث كثيرة، من هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم:يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، ولم يقل صلى الله عليه وسلم يا حي يا قيوم أغثني برحمتك، وهناك فرق بين أن يقول الإنسان أغثني برحمتك، وبين أن يقول برحمتك أستغيث، وحمل هذا الحديث وأضرابه على التوسل بها غير مقبول في فهمي القاصر، .. ".
كنت أفضل حصر الموضوع في مسألة استغاثة الصفة، حتى يفرغ منه ثم ينتقل بعد ذلك لاستعاذتها.
¥