- ومن قال: "يا جيلاني بك أستغيث".
فمن حيث الأصل:
الأولى تشبه التوسل، وقد تكون شرك، فهي مجملة.
والثانية شرك محض.
والثالثة شرك كذلك.
أما الأولى فمحتملة لأن صاحبها قد يريد بالباء أصلها والذي هو الإلصاق، فيكون مراده إلصاق الإغاثة بالجيلاني، كقولك: أمسكت بزيد، فالباء ألصقت الإمساك بزيد، ويريد مع ذلك الاستعانة كقولك: كتبت بالقلم.
فهو يجعل الجيلاني كالقلم آلة أو وسيلة لتحصيل الغوث.
فمن كان هذا مراده ففي النفس من وصفه بالشرك شيء إلاّ أنه أتى بدعة منكرة.
وأما إن أراد بالباء في قوله: "يارب أستغيث بالجيلاني" الإلصاق مع التعدية إلى المفعول –وهو سائغ وإن كان على خلاف الأصل على الصحيح- فهو شرك أكبر فهو نفس معنى أستغيث الجيلاني. وتعدية المتعدى بنفسه بأداة يأتي إما على خلاف الأصل نادراً وإما لكونه يحمل في كل حال معنى، فأما إتيانه على خلاف الأصل ففي نحو قوله تعالى: (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض)، وأما ما له مثال ما يتعدى بنفسه وبأكثر من أداة فكما قالوا في الفعل هدى فإنه يتعدى بنفسه كما في قوله سبحانه: (ويهديك صراطاً مستقيماً)، ويتعدى بأداة أو أكثر كما قال الله تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)، ولكل منهما معنى ولابن القيم كلام محرر في بدائع الفوائد حول أثر اختلاف حرف التعدية فلينظر (2/ 258 وما بعدها).
وأما الصورة الثانية والثالثة فهي من الشرك الأكبر فالثانية دعاء لغير الله واستغاثة به، والثالثة دعاء لله واستغاثة أو دعاء وتوسل بدعي.
وعلى كل حال العبارة الأولى مجملة. ولا يظهر أن يحكم بأن قائلها أتى فعلاً كفرياً ما لم يستفصل عما يريد بالباء.
فإن قلت فلتكن المأثورة في الحديث مجملة أجيب بأن الإجماع انعقد على أنها غير مراد بانعقاده على المنع من دعاء الصفة، ولأن الأصل في الفعل (غوث) أنه يتعدى بنفسه، فإن قيل فإذا كان الأصل تعديها بنفسها فلم لا تكون عبارة الثاني كذلك من قبيل التوسل من حيث الأصل، فجوابه لأن بعض أهل العلم يظهر من صنيعه القول بأن الأصل تعديتها بالباء، ولأن قرنها بالباء في اللغة قد يكون لغير التعدية كما أشير إليه سابقاً والله أعلم.
ـ[أبو عمر الطباطبي]ــــــــ[05 - 02 - 06, 08:52 م]ـ
شكر الله لكم، ولعل وجهات النظر قد اتضحت وتحررت مواضع الإشكال وأظن ما تقدم في هذا الموضوع كافيا
وفقني الله وإياكم إلى طاعته وأعانني وإياكم على قول الحق والقيام به
ـ[ابو البراء عامر]ــــــــ[08 - 02 - 06, 10:45 ص]ـ
مسألة هامة وأجوبه مفيدة
بارك الله فيك يا ابن المبارك
وجزاكم الله خير على التوضيح والبيان
حارث همام
ابو عمر
ابو حفص
ابو معاذ
تلميذ ابن تيمية
محب ابن تيمية