تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في كل ثلاثين سنة مرة، وذلك بحسب اتساع أفلاكها، وإن كانت حركة الجميع في السرعة متناسبة، هذا ملخص ما يقولونه في هذا المقام على اختلاف بينهم، في مواضع كثيرة لسنا بصدد بيانها) انتهى

فقول الحافظ رحمه الله هنا: على اختلاف بينهم ... إلخ يدل: على أن علماء الفلك غير متفقين على ما نقله عنهم آنفا، من كون القمر في السماء الدنيا، وعطارد في الثانية، والزهرة في الثالثة والشمس في الرابعة .. إلخ وغير ذلك مما نقله عنهم، ولو كانت لديهم أدلة قطعية على ما ذكروا، لم يختلفوا، ولو فرضنا أنهم اتفقوا على ما ذكر فاتفاقهم ليس بحجة؛ لأنه غير معصوم،

وإنما الإجماع المعصوم هو إجماع علماء الإسلام الذين قد توافرت فيهم شروط الاجتهاد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طافئة من أمتي على الحق منصورة الحديث فإذا اجتمع علماء الإسلام على حكم، اجتماعا قطعيا لا سكوتيا، فإنهم بلا شك على حق؛ لأن الطائفة المنصورة منهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تزال على الحق، حتى يأتي أمر الله، وظاهر الأدلة السابقة، وكلام الكثير من أهل العلم أو الأكثر كما حكاه النسفي، والألوسي: أن جميع الكواكب ومنها الشمس والقمر تحت السماوات، وليست في داخل شيء منها، وبذلك يعلم أنه لا مانع من أن يكون هناك فضاء بين الكواكب والسماء الدنيا، يمكن أن تسير فيه المركبات الفضائية، يمكن أن تنزل على سطح القمر أو غيره من الكواكب ولا يجوز أن يقال بامتناع ذلك إلا بدليل شرعي صريح يجب المصير إليه، كما أنه لا يجوز أن يصدق من قال إنه وصل إلى سطح القمر أو غيره من الكواكب، إلا بأدلة علمية تدل على صدقه، ولا شك أن الناس بالنسبة إلى معلوماتهم عن الفضاء، ورواد الفضاء يتفاوتون، فمن كان لديه معلومات قد اقتنع بها بواسطة المراصد أو غيرها، دلته على صحة ما ادعاه رواد الفضاء الأمريكيون أو غيرهم، من وصولهم إلى سطح القمر فهو معذور في تصديقه، ومن لم تتوافر لديه المعلومات الدالة على ذلك فالواجب عليه: التوقف، والتثبت حتى يثبت لديه ما يقتضي التصديق أو التكذيب، عملا بالأدلة السالف ذكرها،

ومما يدل على إمكان الصعود إلى الكواكب: قول الله سبحانه في سورة الجن فيما أخبر به عنهم: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [28] فإذا كان الجن قد أمكنهم الصعود إلى السماء حتى لمسوها، وقعدوا منها مقاعد فكيف يستحيل ذلك على الإنس في هذا العصر الذي تطور فيه العلم، والاختراع حتى وصل إلى حد لا يخطر ببال أحد من الناس، حتى مخترعيه قبل أن يخترعوه، أما السماوات المبنية فهي محفوظة بأبوابها وحراسها، فلن يدخلها شياطين الإنس والجن، كما قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [29] وقال تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [30] وثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء مع جبريل، لم يدخل السماء الدنيا وما بعدها إلا بإذن، فغيره من الخلق من باب أولى وأما قوله سبحانه في سورة الرحمن: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} [31] فليست واضحة الدلالة على إمكان الصعود إلى الكواكب لأن ظاهرها وما قبلها وما بعدها يدل على أن الله سبحانه أراد بذلك بيان عجز الثقلين، عن النفوذ من أقطار السماوات والأرض.

وقد ذكر الإمام ابن جرير رحمه الله وغيره من علماء التفسير في تفسير هذه الآية الكريمة أقوالا أحسنها قولان. أحدهما: أن المراد بذلك يوم القيامة، وأن الله سبحانه أخبر فيها عن عجز الثقلين يوم القيامة عن الفرار من أهوالها، وقد قدم ابن جرير هذا القول، وذكر أن في الآية التي بعدها ما يدل على اختياره له والقول الثاني: أن المراد بذلك: بيان عجز الثقلين عن الهروب من الموت لأنه لا سلطان لهم يمكنهم من الهروب من الموت، كما أنه لا سلطان لهم على الهروب من أهوال يوم القيامة، وعلى هذين القولين يكون المراد بالسلطان: القوة، ومما ذكرناه يتضح أنه لا حجة في الآية، لمن قال إنها تدل على إمكان الصعود إلى الكواكب، وأن المراد بالسلطان: العلم، ويتضح أيضا أن أقرب الأقوال فيها: قول من قال: إن المراد بذلك يوم القيامة، أخبر الله سبحانه فيها أنه يقول ذلك للجن والإنس في ذلك اليوم، تعجيزا لهم وإخبارا أنهم في قبضة الله سبحانه، وليس لهم مفر مما أراد بهم، ولهذا قال بعدها: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} [32] فالمعنى - والله أعلم -: أنكما لو حاولتما الفرار في ذلك اليوم، لأرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران منهما، أما في الدنيا فلا يمكن لأحد النفوذ من أقطار السماوات المبنية. لأنها محفوظة بحرسها وأبوابها كما تقدم ذكر ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم،

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير