الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الموصوف بصفات الجلال المنعوت بنعوت الكمال المنزه عما يضاد كماله من سلب حقائق أسمائه وصفاته المستلزم لوصفه بالنقائص وشبه المخلوقين فنفي حقائق أسمائه متضمن للتعطيل والتشبيه وإثبات حقائقها على وجه الكمال الذي لا يستحقه سواه هو حقيقة التوحيد والتنزيه فالمعطل جاحد لكمال المعبود والممثل مشبه له بالعبيد والموحد مبين لحقائق أسمائه وكمال أوصافه وذلك قطب رحى التوحيد فالمعطل يعبد عدما والممثل يعبد صنما والموحد يعبد ربا ليس كمثله شيء له الأسماء الحسنى والصفات العلى وسع كل شيء رحمة وعلما"
وقال غفر الله لنا وله في الجواب الصحيح
"فالرسل وصفوا الله بصفات الكمال ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال ونزهوه عن أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال وأثبتوا له صفات الكمال على وجه التفصيل ونفوا عنه التمثيل فأتوا بإثبات مفصل ونفي مجمل
فمن نفى عنه ما أثبته لنفسه من الصفات كان معطلا ومن جعلها مثل صفات المخلوقين كان ممثلا والمعطل يعبد عدما والممثل يعبد صنما
وقد قال تعالى
ليس كمثله شيء وهو رد على الممثلة وهو السميع البصير وهو رد على المعطلة ""
وقال رضي الله عنه في درئ تعارض العقل والنقل
"وقول المعطلة لما كان أبعد عن الحق من قول المجسمة كانت حجج أهل التعطيل أضعف من حجج أهل التجسيم ولما كان مرض التعطيل أعظم كانت عناية الكتب الإلهية بالرد على أهل التعطيل أعظم وكانت الكتب الإلهية قد جاءت بإثبات صفات الكمال على وجه التفصيل مع تنزيهه عن أن يكون له فيها مثيل بل يثبتون له الأسماء والصفات وينفون عنه مماثلة المخلوقات ويأتون بإثبات مفصل ونفي مجمل فيثبتون أن الله حي عليم قدير سميع بصير غفور رحيم ودود إلى غير ذلك من الصفات ويثبتون مع ذلك أنه لا ند له ولا مثل له ولا كفو له ولا سمي له
ويقول تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11] ففي قوله: {ليس كمثله شيء} رد على أهل التمثيل وفي قوله: {وهو السميع البصير} رد على أهل التعطيل
ولهذا قيل: الممثل يعبد صنما والمعطل يعبد عدما
والمقصود هنا أن هؤلاء النفاة لا يمكنهم إقامة حجة على غلاة المجسمة الذين يصفونه بالنقائص حتى الذين يقولون ما يحكى عن بعض اليهود أنه بكى على الطوفان حتى رمد وأنه عض يده حتى جرى منه الدم ندما ونحو ذلك من المقالات التي هي من أفسد المقالات وأعظمها كفرا ليس مع هؤلاء النفاة القائلين بأنه بداخل العالم ولا خارجه حجة عقلية يبطلون بها مثل هؤلاء الأقوال الباطلة فكيف بما هو دونها من الباطل فكيف بالأقوال الصحيحة"
وقال أيضا في ذات الكتاب
"واعتقاد الحق واجب فيها: إما على العامة والخاصة وإما على الخاصة دون الأمة لا سيما مع كثرة النصوص المشعرة بأحد قسمي السؤال وإنما يقول: إن جواب هذا السؤال وأمثاله ليس في الكتاب والسنة الذين يعرضون عن طلب الهدى من الكتاب والسنة ثم يتكلم كل منهم برأيه ما يخالف الكتاب والسنة ثم يتأول آيات الكتاب على مقتضى رأيه فيجعل أحدهم ما وضعه برأيه هو أصول الدين الذي يجب اتباعه ويتأول القرآن والسنة على وفق ذلك فيتفرقون ويختلفون
كما قال فيهم الإمام أحمد: هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب
ولو اعتصموا بالكتاب والسنة لاتفقوا كما اتفق أهل السنة والحديث فإن أئمة السنة والحديث لم يختلفوا في شيء من أصول دينهم ولهذا لم يقل أحد منهم: إن الله جسم ولا قال: إن الله ليس بجسم بل أنكروا النفي لما ابتدعته الجهمية من المعتزلة وغيرهم وأنكروا ما نفته الجهمية من الصفات مع إنكارهم على من شبه صفاته بصفات خلقه مع أن إنكارهم كان على الجهمية المعطلة أعظم منه على المشبهة لأن مرض التعطيل أعظم من مرض التشبيه
كما قيل: المعطل يعبد عدما والمشبه يعبد صنما
ومن يعبد إلها موجودا موصوفا بما يعتقده هو من صفات الكمال وإن كان مخطئا في ذلك خير ممن لا يعبد شيئا أو يعبد من لا يوصف إلا بالسلوب والإضافات
ونفاة الصفات وإن كانوا لا يعتقدون أن ذلك متضمن لنفي الذات لكنه لازم لهم لا محالة لكنهم متناقضون ولهذا لا يوجد فيهم إلا من فيه نوع من الشرك ولا بد من ذلك لنقص توحيدهم الذي به يتخلصون من الشرك
¥