رواه أبو قتادة (21) وأبو سعيد الخدري (22) رضي الله عنهما مرفوعاً: {من رآني فقد رأى الحق}.
اللفظ الثالث:
رواه جابر رضي الله عنه مرفوعاً: {من رآني في النوم فقد رآني}.] "صحيح مسلم" (كتاب الرؤيا) (15/ 26) مع شرح النووي) [.
فظهر من هذين الوجهين أن الرواية التي استدل بها القوم جاءت مخالفة لجميع ألفاظ من روى هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، بل جاءت مخالفة لجميع ألفاظ من روى هذا الحديث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونتيجة لهذا الاختلاف ولكون الرواية في "صحيح البخاري" أخذ أهل العلم يتأولون معناها ويذكرون لها أجوبة لتتوافق مع روايات الجمهور.
الوجه الثالث: أجوبة العلماء عن ذلك اللفظ المشكل:
ذكر ابن حجر في "فتح الباري" (12/ 385) ملخصاً لتلك الأجوبة بقوله:
(وحاصل تلك الأجوبة ستة:
- أحدها: أنه على التشبيه والتمثيل، ودل عليه قوله في الرواية الأخرى: {فكأنما رآني في اليقظة}.
- ثانيها: أن معناها سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير.
- ثالثها: أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه.
- رابعها: أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكن ذلك، وهذا من أبعد المحامل.
- خامسها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه.
- سادسها: أنه يراه في الدنيا حقيقة ويُخاطبه، وفيه ما تقدم من الإشكال.
الوجه الرابع: ما يرد على القوم من الإشكال على المعنى الذي قالوا به:
والإشكال الذي أشار إليه ابن حجر رحمه الله ذكره بعد قوله: (ونُقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك. قلت - أي ابن حجر-: وهذا مشكل جداً ولو حُمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويُعَكَّرُ عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام ثم لم يُذكر عن واحد منهم أنه رآه في اليقظة
وخبر الصادق لا يتخلف. وقد أشتد إنكار القرطبي (23) على من قال: من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة).] "فتح الباري" (12/ 385) [.
والإنكار الذي أشار إليه ابن حجر هو قول القرطبي: (اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء، وهذا قول يُدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء، فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب، لأنه جائز أن يُرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره، وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل).
وممن أنكر على القوم رؤيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم يقظة القاضي أبوبكر بن العربي (24) قال كما في "فتح الباري" (12/ 384): (وشذ بعض القدرية فقال: الرؤية لا حقيقة لها أصلاً وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس).
الوجه الخامس: اضطراب مقالات القوم في كيفية الرؤية:
فلما اشتد الإنكار على هؤلاء القائلين برؤيته صلى الله عليه وسلم في الدنيا بعد وفاته يقظة لا مناماً، اضطربت مقالاتهم في كيفية تلك الرؤيا فمنهم من أخذته العزة بالإثم فنفى الموت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية وزعم أن موته صلى الله عليه وسلم هو تستره عمن لا يفقه عن الله.
- ومنهم من زعم أنه صلى الله عليه وسلم يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه ويسير حيث شاء في أقطار الأرض في الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته.] عمر الفوتي "رماح حزب الرحيم" (1/ 210) بهامش "جواهر المعاني" [.
- ومنهم من زعم أن له صلى الله عليه وسلم مقدرة على التشكل والظهور في صور مشايخ الصوفية.] عبدالكريم الجيلي "الإنسان الكامل" (2/ 74 - 75) [.
وفريق لان بعض الشيء:
- فمنهم من زعم أن المراد برؤيته كذلك يقظة القلب لا يقظة الحواس الجسمانية.] الشعراني"الطبقات الكبرى" نقلاً عن محمد المغربي الشاذلي [.
- ومنهم من قال إن الاجتماع بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون في حالة بين النائم واليقظان.] الشعراني "الطبقات الصغرى" (ص89) [.
¥