تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال ابن رجب (رحمه الله) في (اللطائف 279): " هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضاً في شهر رمضان ". وإنما تأخر الاستدلال به على مسألتنا – مع صراحته أكثر من غيره –؛ لأنه لم يثبت،فقد سئل أبو حاتم عنه – (العلل) لابنه (1/ 249) – فقال: " هذا حديث منكر "، وقال ابن خزيمة في الموضع السابق: " إن صح الخبر "، وقال ابن حجر في (إتحاف المهرة 5/ 561): " ومداره على علي بن زيد، وهو ضعيف ".

وخلاصة تضعيف هؤلاء الأئمة لهذا الخبر تعود إلى أمرين:

- ضعف علي بن زيد.

- ومع ضعفه فقد تفرد به، كما قال الحافظ بن حجر.

وبهاتين العلتين يتضح وجه استنكار أبي حاتم – رحمه الله –، وقد ذهب الجمهور من الفقهاء إلى أن التهنئة بالعيد لا بأس بها، بل ذهب بعضهم إلى مشروعيتها، وفيها أربع روايات عن الإمام أحمد – رحمه الله – ذكرها ابن مفلح – رحمه الله – في (الآداب الشرعية 3/ 219)، وذكر أن ما روي عنه من أنها لا بأس بها هي أشهر الروايات عنه.

وقال ابن قدامة في (المغني 3/ 294): " قال الإمام أحمد – رحمه الله- قوله: ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبّل الله منا ومنك"، وقال حرب: "سئل أحمد عن قول الناس: تقبل الله منا ومنكم؟ قال: لا بأس"، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل: وواثلة ابن الأسقع؟، قال: نعم، قيل: فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد؟ قال: لا .. "

فيقال: إذا كانت التهنئة بالعيد هذا حكمها،فإن جوازها في دخول شهر رمضان الذي هو موسم من أعظم مواسم الطاعات، وتنزل الرحمات، ومضاعفة الحسنات، والتجارة مع الله ... من باب أولى، والله أعلم.

ومما يستدل به على جواز ذلك أيضاً: قصة كعب بن مالك – رضي الله عنه- الثابتة في الصحيحين من البشارة له ولصاحبه بتوبة الله عليهما، وقيام طلحة (رضي الله تعالى عنه) إليه.

قال ابن القيم – رحمه الله – ضمن سياقه لفوائد تلك القصة في (زاد المعاد 3/ 585):"وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية، والقيام إليه إذا أقبل ومصافحته، فهذه سنة مستحبة، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية، وأن الأوْلى أن يقال: يهنك بما أعطاك الله، وما منّ الله به عليك، ونحو هذا الكلام، فإن فيه تولية النعمة ربهّا، والدعاء لمن نالها بالتهني بها ". ولا ريب أن بلوغ شهر رمضان وإدراكه نعمة دينية، فهي أوْلى وأحرى بأن يُهنأ المسلم على بلوغها، كيف وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يسألون الله – عز وجل – ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وفي الستة الأخرى يسألونه القبول؟ ونحن نرى العشرات، ونسمع عن أضعافهم ممن يموتون قبل بلوغهم الشهر.

وقال الحافظ بن حجر – رحمه الله -: " ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة، أو يندفع من نقمة: بمشروعية سجود الشكر، والتعزية – كذا في (الموسوعة الفقهية) التي نقلت عنها – وربما في الصحيحين عن كعب بن مالك .. " نقلاً عن (الموسوعة الفقهية الكويتية، 14/ 99 - 100)، وينظر: (وصول الأماني) للسيوطي، وقد بحثت عن كلام الحافظ في مظنته ولم أهتد إليه، وينظر: (وصول الأماني 1/ 83) (ضمن الحاوي للفتاوى).

خلاصة المسألة:

وبعد هذا العرض الموجز يظهر أن الأمر واسع في التهنئة بدخول الشهر، لا يُمنع منها،ولا ينكر على من تركها، والله أعلم.

هذا، وقد سألت شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عنها، قال: " طيبة "، وكذلك سألت شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عن التهنئة بدخول شهر رمضان، فقال: (طيبة جداً)، وذلك في يوم الأحد 8/ 9/1416هـ حال بحثي في هذه المسألة.

وقد سئل العلامة الشنقيطي – رحمه الله – عن الصفة الشرعية للتهنئة برمضان والمناسبات الأخرى كالعيدين، فأجاب – رحمه الله – بجواب مطول خلاصته: أنه لا يعلم صفة معينة في هذا الِشأن إلا ما ورد في العيدين – كما سبق نقله – وأن الإنسان إذا اقتصر على الوارد كان أفضل، لكن لو ابتدأه غيره فلا حرج أن يجيبه من باب رد التحية بخير منها، فلو اتصل الإنسان على أخيه، أو زاره، وقال له: نسأل الله أن يجعل هذا الشهر عوناً على طاعته، أو يعيننا وإياكم على صيامه وقيامه، فلا حرج -إن شاء الله-؛ لأن الدعاء كله خير وبركة لكن لا يلتزم بذلك لفظاً مخصوصاً،ولا تهنئة مخصوصة. نقلاً من شريط (آداب الاستئذان)

أسأل الله – تعالى – أن ينفع بهذا البحث، وما كان فيه من صواب، فإن كان كذلك فمن الله وحده، وإن أخطأت فأنا أهلٌ لذلك، وأستغفر الله وأتوب إليه، وأصلي على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[12 - 10 - 03, 05:55 م]ـ

بارك الله في الشيخ عمر المقبل على هذا البحث النافع، وجزاه الله خيرا.

ـ[المسيطير]ــــــــ[08 - 10 - 04, 07:10 م]ـ

بارك الله في الشيخ عمر المقبل على هذا البحث النافع، وجزاه الله خيرا.

وبارك في شيخنا المتمسك بالحق على طرح هذه المسألة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير