تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقداجتهد سلمان -رضي الله عنه- في المجوسية، حتى كان قاطن النار التي يوقدها ولا يتركها تخبو، وكان لأبيه ضيعة، أرسله إليها يوما، فمر بكنيسة للنصارى، فسمعهم يصلون وأعجبه ما رأى في دينهم وسألهم عن أصل دينهم فأجابوه في الشام، وحين عاد أخبر والده وحاوره فقال: (يا أبتِ مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله مازلت عندهم حتى غربت الشمس) ...

قال والده: (أي بُني ليس في ذلك الدين خير، دينُك ودين آبائك خير منه) ... قال: (كلا والله إنه خير من ديننا) ... فخافه والده وجعل في رجليه حديدا وحبسه، فأرسل سلمان الى النصارى بأنه دخل في دينهم ويريد مصاحبة أي ركب لهم الى الشام، وحطم قيوده ورحل الى الشام ...

وهناك ذهب الى الأسقف صاحب الكنيسة، وعاش يخدم ويتعلم دينهم، ولكن كان هذا الأسقف من أسوء الناس فقد كان يكتنز مال الصدقات لنفسه ثم مات، وجاء آخر أحبه سلمان كثيرا لزهده في الدنيا ودأبه على العبادة، فلما حضره الموت أوصى سلمان قائلا: (أي بني، ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا بالموصل) ...

فلما توفي رحل سلمان الى الموصل وعاش مع الرجل الى أن حضرته الوفاة فدله على عابد في نصيبين فأتاه، وأقام عنده حتى إذا حضرته الوفاة أمره أن يلحق برجل في عمورية ...

فرحل إليه، واصطنع لمعاشه بقرات وغنيمات، ثم أتته الوفاة فقال لسليمان: (يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا، يهاجر الى أرض ذات نخل بين جرّتين فإن استطعت أن تخلص إليه فافعل، وإن له آيات لا تخفى، فهو لا يأكل الصدقة، ويقبل الهدية، وإن بين كتفيه خاتم النبوة، إذا رأيته عرفته) ...

لقاء الرسول

مر بسليمان ذات يوم ركب من جزيرة العرب، فاتفق معهم على أن يحملوه الى أرضهم مقابل أن يعطيهم بقراته وغنمه، فذهب معهم ولكن ظلموه فباعوه ليهودي في وادي القرى، وأقام عنده حتى اشتراه رجل من يهود بني قريظة، أخذه الى المدينة التي ما أن رأها حتى أيقن أنها البلد التي وصفت له، وأقام معه حتى بعث الله رسوله وقدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فما أن سمع بخبره حتى سارع اليه ...

فدخل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحوله نفر من أصحابه، فقال لهم: (إنكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به فجئتكم به) ...

فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: (كلوا باسم الله) وأمسك هو فلم يبسط إليه يدا ... فقال سليمان لنفسه: (هذه والله واحدة، إنه لا يأكل الصدقة) ... ثم عاد في الغداة الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحمل طعاما وقال: (أني رأيتك لا تأكل الصدقة، وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية).

فقال الرسول لأصحابه: (كلوا باسم الله) وأكل معهم فقال سليمان لنفسه: (هذه والله الثانية، إنه يأكل الهدية) ... ثم عاد سليمان بعد مرور زمن فوجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في البقيع قد تبع جنازة، وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة، مرتديا الأخرى، فسلم عليه ثم حاول النظر أعلى ظهره فعرف الرسول ذلك، فألقى بردته عن كاهله فاذا العلامة بين كتفيه، خاتم النبوة كما وصفت لسليمان ... فأكب سليمان على الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقبله ويبكي، فدعاه الرسول وجلس بين يديه، فأخبره خبره، ثم أسلم ...

وفاته

كان سلمان يملك شيئا يحرص عليه كثيرا، ائتمن زوجته عليه، وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه ناداها: (هلمي خبيك الذي استخبأتك) ... فجاءت بها فإذا هي صرة مسك أصابها يوم فتح جلولاء، احتفظ بها لتكون عطره يوم مماته، ثم دعا بقدح ماء نثر به المسك وقال لزوجته: (انضحيه حولي، فإنه يحضرني الآن خلق من خلق الله، لايأكلون الطعام وإنما يحبون الطيب) ...

فلما فعلت قال لها: (اجفئي علي الباب وانزلي) ... ففعلت ما أمر، وبعد حين عادت فإذا روحه المباركة قد فارقت جسده، وكان ذلك وهو أمير المدائن في عهد عثمان بن عفان في عام (35 هـ)، وقد اختلف أهل العلم بعدد السنين التي عاشها، ولكن اتفقوا على أنه قد تجاوز المائتين والخمسين ..

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير