ولكن السياق القرآني لا يقف عند هذا الحد ولا يدع الأمر مجملاً ومعمماً على كل من قالوا إنا نصارى إنما هو يمضي يُصوِّر موقف هذه الفئة التي يعينها فقال: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق .. ) فمن صفاتهم أنهم إذا سمعوا الآيات القرآنية اهتزت مشاعرهم ولانت قلوبهم وفاضت أعينهم بالدمع تعبيراً عن التأثير العميق العنيف بالحق الذي سمعوه.
وأنهم لا يقفون موقف المتأثر ثم ينتهي أمره مع هذا الحق؛ بل يقولون ((ربنا آمنا فاكتبا مع الشاهدين *) فهم أولاً يعلنون لربهم إيمانهم بهذا الحق الذي عرفوه ثم يدعونه إلى أن يضمهم إلى قائمة الشاهدين-والشاهدون هم الذين شهدوا لله بالتوحيد ولرسله بالرسالة- وأن يسلكهم في سلك الأمة القائمة عليه في الأرض .. الأمة المسلمة الشاهدة لهذا الدين بالحق والتي تؤدي الشهادة بلسانها وبعملها وبحركتها لإقرار هذا الحق في حياة البشر ..
ولا يقف السياق القرآني هنا عند بيان من هم الذين آمنوا يعينهم بأنهم أقرب مودة للذين آمنوا من الذين قالوا إنا نصارى وعند بيان سلوكهم في مواجهة ما أنزل الله إلى الرسول من الحق في اتخاذ موقف إيجابي صريح بالإيمان المعلن, والانضمام إلى الصف المسلم والاستعداد لأداء الشهادة بالنفس والجهد والمال ..
ولا يقف السياق القرآني عند هذا الحد في بيان أمر هؤلاء الذين يقررون أنهم أقرب للذين آمنوا بل يتابع خطاه لتكملة الصورة و رسم المصير الذي انتهوا إليه فعلاً (فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين وذلك جزاء المحسنين) ..
لقد علم الله صدق قلوبهم وألسنتهم وصدق عزيمتهم على المضي في الطريق ..
ولا يقف السياق القرآني عند هذا الحد في تحديد ملامح هذا الطريق المقصود من الناس الذين تجدهم أقرب مودة للذين آمنوا بل إنه ليمضي فيميزه من الفريق الآخر من الذين قالوا إنا نصارى عمن يسمعون هذا الحق فيكفرون به ويكذبون ولا يستجيبون ولا ينضمون إلى صفوف الشاهدين فقال: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) .. ) اهـ.
وقال السعدي -رحمه الله- في تفسيره:
(" ولتجدن أقربهم مودة للذين آمونا الذين آمنوا قالوا إنا نصارى .. " وذكر تعالى لذلك أسباب منها أن منهم قسيسين ورهبانا أي علما متزهدين وعباداً في الصوامع متعبدين – والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه ويزل ما فيه من الجفاء والغلظة .. ومنها: أنهم " إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول" محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لله بالتوحيد ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به ويشهدون للأمم السابقة بالتصديق والتكذيب .. الخ) اهـ.
وقال العلَّامة ابن القيم رحمه الله (بدائع الفوائد-186,185,184):
(وجه تفسير المغضوب عليهم باليهود, والضالين بالنصارى مع تلازم وصفي الغضب والضلال .. فالجواب أن يقال: هذا ليس بتخصيص نفي كل صفة عن أصحاب الصفة الأخرى فإن كل مغضوب عليه ضال وكل ضال مغضوب عليه, لكن ذكر كل طائفة بأشهر وصيفها وأحقها به وألصقه بها وذلك هو الوصف الغالب عليهما .. )
وقال في موضع آخر: (وأما وصف النصارى بالضلال ففي قوله تعالى: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) فهذا خطاب للنصارى ..
ثم قال: وإنما سر الآية أنها اقتضت تكرار الضلال في النصارى ضلالاً بعد ضلال لفرط جهلهم بالحق .. ووجه تكرار هذا الضلال أن الضلال قد أخطأ نفس المقصود فيكون ضالاً فيه فيقصد ما لا ينبغي أن يقصده ويعبده وقد يصيب مقصوداً حقاً لكن يضل في طريق طلبه والسبيل الموصلة إليه
فالأول: ضلال في الغاية.
والثانية ضلال في الوسيلة.
ثم إذا دعا غيره إلى ذلك فقد أضله , أسلاف النصارى اجتمعت لهم الأنواع الثلاثة فضلوا عن مقصودهم حيث لم يصيبوه .. إلخ كلامه النفيس الماتع [اهـ.
هذا ما تيسر جمعه وتسطيره هنا فإن كان من زلل فمني والشيطان, وإن كان شيئاً حالفه الصواب فلله الفضل والمنة .. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـ[أبو فاطمة الاثري]ــــــــ[04 - 02 - 06, 05:53 ص]ـ
(" ولتجدن أقربهم مودة للذين آمونا الذين آمنوا قالوا إنا نصارى .. " وذكر تعالى لذلك أسباب منها أن منهم قسيسين ورهبانا أي علما متزهدين وعباداً في الصوامع متعبدين – والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه ويزل ما فيه من الجفاء والغلظة .. ومنها: أنهم " إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول" محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لله بالتوحيد ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به ويشهدون للأمم السابقة بالتصديق والتكذيب .. الخ) اهـ.
.
هل نصارى اليوم يبكون عندما يسمعوا القران ويشهدون بمحمد بالرسالة؟ أم لا؟
للأسف البعض يبتر الاية الكريمة ((ولتجدن أقربهم مودة للذين آمونا الذين آمنوا قالوا إنا نصارى))
دون أن يكمل فيكون مثل ((ويلل للمصلين))
جزاك الله خير قد جاوب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على هذه الشبهة أيضأ
¥