[المقاطعة عند سلفنا الصالح]
ـ[عبدالعزيز بن سعد]ــــــــ[06 - 02 - 06, 10:41 م]ـ
أعتذر عن عدم وجود الهوامش، وعذري أنني حاولت نقلها من ملف وورد ولكن الهوامش لا تنتقل معي. وحيث أن الوقت مناسب لعرض ما كتبت على ما فيه من نقص، فآمل أن يجد من الإخوة قبولا، فأقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا ندعو لمقاطعة بضائع الأعداء
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف أمره وأباه والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فمن رحمة الله بعباده أن شرع لهم ما يصلح حياتهم فأحل لهم البيع والشراء إلا إذا شمل لأمرا محرما، كما أن الشارع أباح للمسلم أن يتعامل مع غير المسلم إذا لم يكن في ذلك ضرر، وقد تعالت صيحات الناصحين في هذه الأزمان بضرورة المقاطعة الاقتصادية للأعداء، وفي هذا المقال محاولة لتأصيل هذا الأمر من النصوص الشرعية وكلام أهل العلم.
أولا: أثر المقاطعة الاقتصادية:
نجد أن الأعداء يستخدمون المقاطعة الاقتصادية للضغط على المسلمين كثيرا، وأشهر مقاطعة من هذا النوع ما وقع من كفرة قريش في مقاطعتهم لبني هاشم حتى يسلموا لهم النبي صلى الله عليه وسلم لهم ليقتلوه، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما واعد بعض أصحابه في مكان بمكة:" نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر- يعني بذلك المحصب- وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم".
وقد استمرت هذه المقاطعة الظالمة ثلاث سنين ذاق فيها بنو هاشم وبنو الكطلب أبناء عبدمناف أشد البلاء، وقد يكون موت أبي طالب بعد الحصار بستة أشهر من آثاره وكذلك ماتت بعده خديجة رضي الله عنها بثلاثة أيام.
ولا تزال الدول الغنية تستخدم هذا السلاح للضغط على الدول الفقيرة لتحقيق مطالبها، وغالب الضحايا الشعوب المسلمة، ومن أمثلة الشعوب المتأثرة الشعب العراقي والسوداني والإندونيسي.
ولا نتكلم هنا هن مقاطعة الدول فنحن لا ننتظر من الدول الإسلامية الحالية ذلك، فهي أضعف وأقل هيبةمن أن تؤثر هذه الوسيلة للضغط، كما أنها تعتمد في اقتصادها على أعدائها، ولكن الحديث مع الشعوب المسلمة التي سئمت من انتظار من يتعامل مع الدول المعادية بعزة المسلم.
ثانيا: صور مشرقة من التاريخ في هذا الباب:
جاء في ترجمة الإمام البهلول بن راشد القيرواني المالكي أحد أصحاب الإمام مالك رحمه الله أن بهلول دفع إلى بعض أصحابه دينارين ليشتري له بهما زيتا يستعذبه له، فذكر للجل أن عند نصراني زيتا أعذب ما يوجد، فانطلق إليه الرجل بالدينارين فأخير النصراني أنه يريد زيتا للبهلول فقال النصراني: نحن نتقرب إلى الله بالبهلول كما تتقربون أنتم إليه، وأعطاه بالدينارين من ذلك الزيت ما يعطى بأربعة دنانير من دنيِّ الزيت ثم أقبل إلى بهلول فأخبره الخبر فقال بهلول: قضيت حاجة فاقض لي أخرى، رد علي الدينارين، فقال: ولم؟ قال: ذكرت قوله تعالى:" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله" فخشيت أن آكل زيت النصراني فأجد له في قلبي مودة، فأكون ممن حاد الله ورسوله على عرض من الدنيا يسير.
ثالثا: هل وقعت مثل هذه الدعوة في التاريخ الإسلامي:
بنظرة عابرة في التاريخ الإسلامي نجد أنهم قد يستخدمون المقاطعة أحيانا إذا ثبتت جدواها وأمنت أضرارها، فقد قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة ثمان وستين وسبعمائة:" وفي يوم الأربعاء خامس عشرِهِ نودي بالبلدان ألا يعامل الفرنج البنادقة والجنوية والكنبلان". وهؤلاء طائفة من الفرنج من أهل البندقية بإيطاليا وجنوة، ولم يذكر رحمه الله سبب المقاطعة.
رابعا: حكم التعامل التجاري مع من يسعى في الإضرار بالمسلمين:
قال شيخ الإسلامرحمه الله:" الأصل أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه".
وسئل رحمه اله عن معاملة التتار فقال:" يجوز فيها ما يجوز في معاملة أمثالهم ويحرم منها ما يحرم في معاملة أمثالهم، فيجوز أن يبتاع الرجل من مواشيهم وخيلهم ونحو ذلك، كما يبتاع من مواشي الأعراب والتركمان والأكراد ويجوز أن يبيعهم من الطعام والثياب ونحو ذلك مما يبيعه لأمثالهم. فأما إن باعهم أو باع غيرهم ما يعينهم به على المحرمات كبيع الخيل والسلاح لمن يقاتل به قتالا محرما فهذا لا يجوز، قال تعالى:" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ... ".
وقال ابن بطال:" معاملة الكفار جائزة إلا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين".
خامسا: تأثير المقاطعة الإيجابي في حب المسلم للإسلام وأهله وبغضه للأعداء:
ومن جميل ما يذكر في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله أنه كان إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه فقيل له في ذلك فقال: لا أقدر أنظر إلى من افترى على الله و كذب عليه. وكان يقول: لا تأخذوا عني هذا فإني لم أجده عن أحد ممن تقدم ولكني لا أستطيع أن أرى من كذب على الله.
وقال ابن عقيل في الفنون:" إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة ".
والمسلم إذا وطن نفسه ألا يعين الكافر على كفره بمال المسلم إذا استغنى عن بضاعته ببضاعة غيره فإنه سيحصل على فوائد له ولمجتمعه منها:
1 - أنه سيؤجر على صدق نيته وحبه للمؤمنين وبغضه لمن حاد الله ورسوله.
2 - أن ذلك الولاء والحب للإسلام وأهله والبراء والبغض للكفار سيتجدد دوما وتزيد مما ينتج عنه زيادة ترابط المسلمين واتحاد قلوبهم قبل بلادهم.
3 - أن هذا سيزيد اقتصاد الدول الإسلامية وسيضعف اقتصاد الدول الظالمة على المدى البعيد.
أسأل الله تعالى أن يهيء لنا من أمرنا رشدا، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهم المراجع:
o زاد المعاد
o السياسة الشرعية
o الهجر في الكتاب والسنة لمشهور حسن
o البداية والنهاية
o الولاء والبراء للقحطاني
o الآداب الشرعية لابن مفلح
o المدخل المفصل لمذهب الإمام أحمد بن حنبل
¥