قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وأبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب الأزدي. وحسنه الحافظ (1/ 200) فقصر، وكأنه أراد طريق مؤمل الآتية.
ثم أخرجه أحمد (4/ 402): ثنا مؤمل بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة به وزاد في آخره.
((قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
لكن مؤمل بن إسماعيل فيه ضعف من قبل حفظه، إلا أنه يشهد له حديث أبي هريرة بمثل هذه القصة مطولاً بينه وبين عمر، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلهم)).
أخرجه مسلم (1/ 44) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة.
وفي قصة أخرى نحو الأولى وقعت بين جابر وعمر، وفي آخرها:
((قال: يا رسول الله! إن الناس قد طعموا وخبثوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعني لجابر): اقعد)):
أخرجه ابن حبان (رقم7) بإسناد صحيح من حديث جابر.
وفي الباب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو الآتي بعده، وفيه:
((قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال: دعهم يعملوا)).
وقد أخرجه البخاري (1/ 199 - فتح) ومسلم (1/ 45) وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: يا معاذ ... )) الحديث وفيه:
((أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا. وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً)).
وأخرجه أحمد (5/ 228 و 229 و 230 و 232 و 236) من طرق عن معاذ قال في أحدها: ((أخبركم بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعني أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول:
((من شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه، أو يقيناً من قلبه لم يدخل النار، أو دخل الجنة. وقال مرة: دخل الجنة، ولم تمسه النار)).
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وقد ترجم البخاري رحمه الله لحديث معاذ بقوله:
((باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا، وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)).
ثم ساق إسناده بذلك. وزاد آدم بن أبي إياس في ((كاتب العلم)) له: ((ودعوا ما ينكرون)). أي ما يشتبه عليهم فهمه. ومثله قول ابن مسعود: ((ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتة)).
ورواه مسلم (1/ 9). قال الحافظ:
((وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب. ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين، وأن المراد ما يقع من فتن. ونحوه عن حذيفة. وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنبين؛ لأنه اتخذها وسيلة إلي ما كان يعتمد من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير المراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. والله أعلم)).
هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قل لا إله إلا الله، على أقوال كثيرة، ذكر بعضها المنذري في ((الترغيب)) (2/ 238)، وترى سائرها في ((الفتح)). والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر، وبه تجتمع الأدلة، ولا تتعارض، أن تحمل على أحوال ثلاثة:
الأولى: من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات، فالحديث حينئذٍ على ظاهره، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقاً.
الثانية: أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة، ولكنه ربما تهاون ببعض الواجبات، وارتكب بعض المحرمات، فهذا ممن يدخل في مشيئة الله ويغفر له كما في الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة.
الثالثة: كالذي قبله، ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن المحارم الله كما في حديث أبي ذر المتفق عليه: ((وإن زنى وإن سرق ... )) الحديث، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله، فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار فهو وإن دخلها، فلا يخلد معهم فيها، بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة ولا بد، وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره، ويصيبه قبل ذلك ما أصابه)). وهو حديث صحيح كما سيأتي في تحقيقه إن شاء الله برقم (1932)
والله تعالى أعلم.
المسلم لا يستحق مغفرة الله إلا إذا لقى الله عز وجل ولم يشرك به شيئاً
¥