11 - الذين وصفوا بأنهم امْتُحِشوا، أو اسْوَدُّوا، أو عادوا حُممًا، أو فَحْمًا، ونبتوا كما تنبت الحبة في حميل السيل، هم أهل القبضة، أو الذين أخرجوا بالرحمة، كما في حديث أبي سعيد، الطريق (أ، ج،ط) وحديث جابر الطريق (أ، ج،د، ه) وحديث أنس الطريق (ب)، وما جاء في حديث حذيفة مخالفًا لذلك؛ فهي رواية مجملة، تفسرها الروايات الأخرى، كما بيّنْتُه هناك، ومما يشير إلى ما قررته هنا، ما قاله القاضي عياض: ولا يبعد أن الامتحاش يختص بأهل القبضة .... اهـ من "فتح الباري" (11/ 457).
والمحش: احتراق الجلد، وظهور العظم. اهـ من "الفتح" عياذًا بالله من حال أهل النار.
وتبويب ابن خزيمة في "التوحيد" (2/ 762،751) لا يُعارض ذلك، كما وضحته في القاعدة (8).
وأما رواية أبي نضرة عن أبي سعيد عند مسلم بلفظ: "حتى إذا كانوا فحمًا؛ أذن في الشفاعة" فهي رواية مجملة، تفسرها الأحاديث الأخرى، فإن بعض من يخرجه المؤمنون، ليسوا فحمًا، إنما أخذتهم النار إلى أقدامهم، وركبهم، ونحو ذلك، كما في حديث أبي سعيد وغيره، فتُحمل هذه الرواية، على الروايات المفسرة، وهذا كله يؤكد ما جاء في القاعدة السابقة برقم (1)، والله أعلم.
12 - وجاء أيضًا في بعض الروايات، أن بعض الذين تخرجهم الشفاعة لا القبضة يُطْرحون في ماء الحياة، وينبتون كما تنبت الزرعة في حميل السيل، كما في حديث أبي سعيد (ز) وحديث جابر (د، هـ).
13 - أما الذين يدخلون الجنة، ويُسَمَّوْن بالجهنميين، فمنهم من أخرجته الشفاعة، كما في حديث عمران بن حصين وابن عباس وأبي سعيد الطريق (ك) وبعض الطريق (ح) من حديث أنس، وحديث حذيفة، وأما الرواية التي فيها أنهم خرجوا برحمته سبحانه، لا بشفاعة مخلوق، فمن حديث ابن مسعود، الطريق (د)، وفيه: لين، إلا أنها وردت من حديث أنس الطريق (ب) بسند رجاله ثقات.
14 - الذين يدخلون النار من الموحدين، ويعيرهم المشركون، ثم يخرجهم الله عزوجل عند ذلك، الظاهر أنهم يخرجون برحمة الله عزوجل، لا بشفاعة مخلوق، وإذا كانوا كذلك؛ فهم من أهل القبضة، ومعهم من الأعمال الصلاة، لما جاء في حديث أبي هريرة المتفق عليه، كما في الطريق (أ، ب)، والله أعلم.
وهذا يمكن تحصيله أيضًا من حديث أنس برقم (ب) وهو حديث صحيح، ومن حديث أبي موسى، وفيه: " .... من أهل القبلة" وسنده ضعيف، ومن حديث أبي سعيد برقم (ك) وفيه: "تزعمون أنكم أولياء الله" وسنده ضعيف، إلا أن فيه زيادة منكرة، وهي أن إخراجهم يكون بالشفاعة، لا بمجرد رحمة الله عزوجل، وحديث أنس المشار إليه سابقًا برقم (ب) فيه: "ما أغني عنكم أنكم كنتم تعبدون الله، لا تشركون به شيئًا" وقد فُسِّر هذا القول، بحديث أبي هريرة عند البخاري (86) ومسلم برقم (182): " .... حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار؛ أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبدالله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود ..... " وفي رواية عندهما: "حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئًا، ممن أراد الله أن يرحمه، ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود .... ".
فبيَّن هذا الحديث أنه لا يلزم من إخراج من كان يشهد أن لا إله إلا الله، أنه لا يصلي، أو أنه يتلفظ بهذه الكلمة، دون شيء من عمل الجوارح، وأهم ذلك عندنا جميعًا الصلاة، والله أعلم.
ومما يدل على أن الذين يعيّرهم المشركون من أهل التوحيد في النار، أنهم يخرجون برحمة الله، لا بشفاعة مخلوق؛ ما جاء في "مسند أحمد" برقم (12469) من حديث أنس في قصة سجود النبي?، واستئذانه ربه في إدخال من شاء الله من أمته الجنة ... وفيه: "يَفرغ الله من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي النار، مع أهل النار، فيقول أهل النار: ما أغني عنكم أنكم كنتم تعبدون الله، ولا تشركون به شيئًا؟ فيقول الجبار: فبعزتي، لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم، فيخرجون، وقد امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء السيل، ويكتب بين أعينهم: هؤلاء عتقاء الله، فيذهب بهم، فيدخلون الجنة، فيقول لهم أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون، فيقول الجبار: بل هؤلاء عتقاء الجبار".اهـ
¥