وقال أبو بكر بن أبي داود: كانت بنتُ سعيدٍ قد خطبها عبد الملك لابنه الوليد، فأبى عليه، فلم يزل يحتال عبد الملك عليه حتى ضربه مئةَ سوطٍ في يوم بارد، وصب عليه جرة ماءٍ، وألبسه جُبَّةَ صوف ثم قال: حدثني أحمد ابن أخي (عبد الرحمن) بن وهب، حدثنا عمر بن وهب، عن عطَّاف بن خالد، عن ابن حَرْمَلَة،عن ابن أبي وداعةـ يعني كثيرا ـ قال:
كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياما، فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: تُوُفِّيَتْ أهلي فاشتغلت بها، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها ثم قال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال: أنا. فقلت: وتفعل؟ قال: نعم. ثم تحمَّد، وصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم، وزوَّجَني على درهمين ـ أو قال ثلاثة ـ فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، فَصِرتُ إلى منزلي، وجعلت أتفكر فيمن أستدين. فصلَّيْتُ المغرب، ورجعت إلى منزلي، وكنت وحدي صائما، فقَدَّمْتُ عشائي أُفْطِر، وكان خبزا وزيتا، فإذا بابي يُقْرَع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد. فأفكرت في كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيب، فإنه لم يُرَ أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فخرجت فإذا سعيد، فظننت أنه قد بدا له، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فآتيك؟ قال: لا، أنت أحق أن تُؤتى،إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه إمرأتك.
فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذ بيدها فدفعها في الباب، ورد الباب. فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم وضعت القصعة في ظل السراج لكي لا تراه، ثم صعدت السطح فرميت الجيران، فجاؤوني فقالوا: ما شأنك؟ فأخبرتهم. ونزلوا إليها، وبلغ أمي، وجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثا، ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظ الناس لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق زوج.
فمكثت شهرا لا آتي سعيد بن المسيب، ثم أتيته وهو في حلقته، فسلمت فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تقوَّض المجلس، فلما لم يبقى غيري قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خير يا أبا محمد، على ما يُحِّبُ الصديق، ويكره العدو. قال: إن رابك شيء، فالعصا. فانصرفتُ إلى منزلي، فوجَّه إليَّ بعشرين ألف درهم.
قال أبو بكر بن أبي داود: ابن ابي وداعة هو كثير بن المطلب بن أبي وداعة.
قلت (الذهبي): هو سهمي مكي، روى عن أبيه المطلب أحد مُسْلمة الفتح. وعنه: ولده جعفر بن كثير وابن حرملة.
تفرد بالحكاية أحمد بن عبد الرحمن بن وهب وعلى ضعفه قد احتج به المسلم.
قال عمرو بن عاصم، حدثنا سلاَّم بن مسكين، حدثنا عمران بن عبد الله قال: زوَّج سعيد بن المسِّيب بنتا له من شابٍّ من قريش. فلما أمست، قال لها شُدِّي عليك ثيابكِ واتبعيني، ففعلتْ، ثم قال: صلَّي ركتين، فصلَّتْ، ثم أرسل إلى زوجها فوضعَ يدها في يدهِ وقال: انطلق بها. فذهب بها، فلما رأتها أمُّه قالت: من هذه؟ قال: امرأتي. قالت: وجهي من وجهك حرام إن أفضيت إليها حتى أصنع بها صالح ما يُصْنع بنساءِ قريش. فأصْلَحَتْها ثم بنى بها.
يتبع بإذن الله
ـ[صلاح الدين الشريف]ــــــــ[17 - 03 - 06, 03:50 م]ـ
الحمد لله
تابع ترجمة التابعي الجليل سعيد بن المسيب:
ومن معرفته بالتعبير
قال الواقدي: كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأخذته أسماء عن أبيها، ثم ساق الواقدي عدة منامات، منها
حدثنا موسى بن يعقوب، عن الوليد بن عمرو بن مسافع، عن عمر بن حبيب بن قليع قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب يوما، وقد ضاقت بي الأشياء، ورِهقَني دَيْن، فجاءَهُ رجل، فقال: رأيت كأني أخذت عبد الملك ابن مروان فأضجعته إلى الأرض، وبطحته فأوتدت في ظهره أربعة أوتاد. قال: ما أنت رأيتها. قال: بلى. قال: لا أخبرك أو تخبرني قال: ابن الزبير رآها، وهو بعثني إليك. قال: لئن صدقت رؤياه قتلهُ عبد الملك،وخرج من صلب عبد الملك أربعة كلهم يكون خليفة. قال: فَرَحلتُ إلى عبد الملك بالشام فأخبرته، فَسُرَّ، وسألني عن سعيد وعن حاله فأخبرتُه.وأمر بقضاء ديني وأصبت منه خيرا.
قال: وحدثني الحكم بن القاسم،عن إسماعيل بن أبي حكيم قال: قال رجل: رأيت كأن عبد الملك بن مروان يبول قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرار. فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: إن صدقت رؤياك، قام فيه من صلبه أربعة خلفاء.
وأخبرنا عبد السلام بن حفص، عن شريك بن أبي نمر، قلت لسعيد ابن المسيب: رأيت كأن أسناني سقطت في يدي، ثم دفنتها. فقال: إن صدقت رؤياك دفنت أسنانك من أهل بيتك.
وحدثنا ابن أبي ذئب،عن مسلم الحنَّاط قال رجل لابن مسيب:
رأيت أني أبول في يدي، فقال: اتق الله فإن تحتك ذات محرم، فنظر فإذا امرأة بينهما رضاع.
وبه، وجاءه آخر فقال: أراني كأني أبول في أصل زيتونه، فقال: إن تحتك ذات رحم. فنظر فوجد كذلك.
وقال له رجل: إني رأيت كأن حمامة وقعت على المنارة، فقال يتزوج الحجاج ابنة عبد الله بن جعفر.
وبه، عن ابن المسيب قال:الكبل في النوم ثبات في الدين.
وقيل له يا أبا محمد: رأيت كأني في الظل، فقمت إلى الشمس. فقال: إن صدقت رؤياك، لتخرجن من الإسلام. قال: يا أبا محمد إني أراني أُخْرِجتُ حتى أُدخِلتُ في الشمس، فجلست. قال: تُكْرَه على الكفر. قال: فأُسِر وأكره على الكفر، ثم رجع فكان يخبر بهذا أهل بالمدينة.
وحدثنا عبد الله بن جعفر، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب، قال رجل لابن المسيبك إنه رأى كأنه يخوض النار. قال لا تموت حتى تركب البحر، وتموت قتيلا. فركب البحر، وأشفى على الهلكة، وقُتِل يوم قديد.
وحدثنا الصالح بن خوات عن ابن المسيب قال: آخر الرؤيا أربعون سنة يعني تأويلها.
روى هذا الفصل ابن سعد في" الطبقات" عن الواقدي.
سلام بن مسكين: عن عمران بن عبد الله، قال:
رأى الحسن بن علي كأن بين عينيه مكتوب: (قل هو الله أحد) فاستبشر به، وأهلُ بيته. فقصوها على سعيد بن المسِّيب فقال:
إن صدقت رؤياه فقَلَّما بقي من أجله، فمات بعد أيام.
يتبع بإذن الله تعالى.
¥