ثم الفتنة الكبرى .. فتنة النار، نعوذ بالله منها ..
قال الله تعالى في شأن أهلها: " يوم هم على النار يفتنون، ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون".
فلا نقول بألسنتا ولا بقلوبنا إذا سمعنا النصوص الشرعية من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم:" لعلي أبلغ الأسباب (أسباب القدرة المادية أو أسباب العلم النظرية) فاطلع إلى هذا الإله الذي تصفه هذه النصوص ..
فإن الله تعالى ابتلانا بالإيمان بالغيب ..
والغيب أمر حقيقي موجود خارج نطاق حواسنا ولكننا نعلمه بمجرد السمع وبالواسطة ..
اعتبر ذلك بسائر ما غاب عنك من المحسوسات التي لم ترها وتدركها أي حاسة من حواسك سوى ما دخل سمعك من وصفها أو ما ناب عن السمع وهو القراءة فإن أصل المسموع والمقروء واحد وهو الكلام ..
وهكذا تعرف الله تعالى علينا بكلامه، واحتجب عنا في هذه الدنيا ..
وامتحننا بالحجاب فكذب خلق وجحدوا إما أصل وجود الرب وهم قلة وعلى المكابرة، أو عرضاً لا على الدوام فإنه لا يستقر في قلب مخلوق الجزم بجحد الخالق ..
نعم قد يعرض له كالوساوس والخواطر من قبل الشيطان وتخييله التي تحرف القلوب الضعيفة عن صحتها فتسقم
أو يسقر في القلب التردد والريب؛ هذا الذي قد يطول بقاؤه في القلب، والسبب تشربه لوساوس الشيطان واسترساله مع خطواته في خطراته .. وعدم استعمال الدواء النبوي في قطعه ودفعه (إذا وجد أحدكم ذلك، فليتعوذ بالله، ولينته، .. ) ونحو ذلك ..
وإما أن يكون الجحد لوصف من أوصافه التي تعلم بمجرد الفطرة والعقل وشأن هذه الأوصاف كشأن أصل وجود الرب فإن مجرد إدراك معنى الربوبية والخالقية يقتضي الجزم بإثبات أوصاف لا ينفك عنها الرب الخالق، ولا يكون رباًولا خالقاً إلا بها ..
وإما أن يكون الجحد لما لا يُعلم إلا من طريق الرسل الكرام الذين اصطفاهم الله تعالى من البشر وأقام دلائل صدقهم في الخبر عنه حساً ومعنى بحيث لا يرتاب فيهم منصف مسترشد، فإنهم وإن أتوا بما لا تدركه الحواس من المغيبات إلا أن العقول لا تحيل وجود ما لا تدركه الحواس بمجرد عدم إدراك الحواس له ..
ومن أكبر ما جاء به الرسل: الدعوة إلى الإيمان برب العالمين بالجمع بين إثبات وجوده وكماله، وبين نفي مماثلته لشيء سواه أياً كان، وأنه مباين لغيره كل المباينة بالذات والصفات، وأن ما تتوهمه الأذهان ابتداء من الشبه عارض ذهني بسبب ضيق الأذهان واعتمادها على القياس والخروج من معنى إلى معنى بمناسبة بينهما إما لتلازم أو تضمن ..
وقد أخبرت الرسل من أولهم وهو نوح صلى الله عليه وسلم إلى خاتمهم وهو محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم وأنذروا بفتنة عظيمة لا يكون في الدنيا مذ كانت وإلى أن تنقضي مثلها لأنها تتعلق بامتحان الناس في إيمانهم بربهم وبرسالاته المتضمنة لصفاته التي تعرف بها إلى خلقه .. وبالمعاد واليوم الآخر والنشأة الآخرة المتضمن للقائه وهو الوعد الحق الذي أنذرت به الرسل، فإن الدنيا ليست إلا أجلاً مضروباً أخفى الله تعالى غايته عن خلقه وبالغ في إخفائها فهي أخفى شيء في العالم علماً قال تعالى لكليمه موسى لما كلمه أول مرة منصرفه من مدين: " إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى".
وقد قال تعالى عن الساعة:" لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة".
وهذه الفتنة العظيمة التي أنذرت بها الرسل هي أعظم فتنة في الدين وذلك أنها تتضمن تحريف إيمان الناس بربهم وبرسالاته المتضمنة لأوصافه، ولمعادهم إليه المتضمن للقائه .. فيدعي حامل لواء هذه الفتنة أنه رب العباد وأنه قد جاء بجنته وناره وأنه يحيى ويميت ويفعل ويفعل بمخاريق قدر الله تعالى أن يجريها على يديه إخزاء له ليستحق بذلك ما ذخره له ولمن اتبعه من بليغ العقوبة يوم الدين، ولتكون تمحيصاً لأهل الإيمان بالغيب المصدقين للرسل عليهم الصلاة والسلام، وبما أخبروا به الناس وبشروهم وأنذروهم من لقاء ربهم عزوجل، وعرفوهم بالله تعالى معرفة مبينة ميزته عند أتباعهم من كل ما سواه، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أوفر الرسل حظاً في البيان والإبانة والفرقان حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحب هذه الفتنة المفتون الدجال مسيح الضلالة فيما تواتر عنه:" إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور".
¥