1 – قول الله _تعالى_ حكاية عن يوسف _عليه السلام_: "وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ" (يوسف:59، 60).
وجه الدلالة: أن يوسف عليه السلام جعل منع الطعام عن إخوته وسيلة لجلب أخيه إليه، وهو تلويح واضح بسلاح المقاطعة الاقتصادية، واستخدامه كوسيلة من وسائل الضغط، وهذا وإن كان من شرع من قبلنا إلا أنه ليس في شرعنا ما يخالفه، بل على العكس هناك ما يؤيده صراحةً كما في حديث ثمامة بن أثال الآتي، وبناءً على ما سبق فإن المقاطعة الاقتصادية وسيلة مشروعة للتوصل إلى الحق، أو دفع الظلم.
2 – قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ" (التوبة: من الآية73).
وجه الدلالة: أن الله _تعالى_ أوجب على المؤمنين مجاهدة الكفار والمنافقين، إما وجوباً عينياً أو كفائياً، ومن المعلوم أن في جهادهم استباحة لدمائهم وأموالهم، فإلحاق الضرر بهم عن طريق المقاطعة الاقتصادية مشروع من باب أولى.
3 – قال _تعالى- عن المؤمنين: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (التوبة: من الآية120).
وجه الدلالة: أن في المقاطعة الاقتصادية نَيْلٌ من الكفار وإغاظة لهم، وما كان كذلك فهو محبوب إلى الله تعالى.
قال ابن القيم _رحمه الله_ عند ذكره لبعض ما في قصة الحديبية من الفوائد الفقهية: "ومنها استحباب مغايظة أعداء الله، فإن النبي _صلى الله عليه وسلم_ أهدى في جملة هديه، جملاً لأبي جهل في أنفه بُرَةُ (32)، من فضة يغيظ بها المشركين" (33).
4 – ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_: "أن ثمامة بن أثال قيل له بعدما أسلم: صبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد _صلى الله عليه وسلم_، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة، حتى يأذن فيها النبي _صلى الله عليه وسلم_".
وجه الدلالة: أن ما فعله ثمامة من تهديده للكفار بقطع الحنطة عنهم، صورة من صور المقاطعة الاقتصادية، ولو كان هذا الفعل غير مشروع لما أُقرّ عليه.
الحكم التكليفي للمقاطعة الاقتصادية:
1 – الحكم الأصلي للمقاطعة الاقتصادية:
من المقرر عند العلماء رحمه الله أن الأصل: في المعاملات الإباحة حتى يرد دليل بمنعها (34)، وقد سبق معنا، أن التعامل الاقتصادي مع الكفار مباح في الجملة عدا بعض المستثنيات المذكورة في ذلك الموضع.
إذا تقرر ذلك فإن المقاطعة الاقتصادية للكفار بالامتناع عن التعامل معهم بالبيع والشراء، مباح أيضاً؛ لأن حقيقة المباح: ما اقتضى خطاب الشرع التسوية بين فعله وتركه، من غير مدح يترتب عليه ولا ذم (35).
وبهذا يكون الأصل في حكم المقاطعة الاقتصادية الإباحة، وقد يتغير هذا الحكم بالنظر إلى ما يترتب على المقاطعة الاقتصادية من مصالح أو مفاسد، كما سنرى في المطالب التالية.
2 – الحالات التي تكون فيها المقاطعة الاقتصادية واجبة، أو مندوبة، أو محرمة:
تقدم معنا أن مقاطعة الكفار اقتصادياً، تعد من ضروب الجهاد في سبيل الله، إذا كانت بنية التقرب إلى الله _تعالى_، نظراً لما تلحقه بالكفار من أضرار سبق ذكر بعضها، مما يجعلها أداة ضغط يمكن أن تسهم في: إزالة أو تخفيف الظلم عن المسلمين؛ أو في جلب منفعة ومصلحة لهم.
ولكن الأمر الذي ينبغي أن يكون في الحسبان، أن استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية قد يواجه بردّة فعل عنيفة من قبل بعض الدول الكافرة التي تتمتع بنفوذ وسيطرة على مستوى العالم، ولا سيما إذا كانت هذه المقاطعة متضمنة لقطع بعض السلع الاستراتيجية، التي يلحق المساس بها ضرراً بالمصالح القومية العليا لهذه الدول، مما قد ينتج عنه إقحام المسلمين في معركة ليسوا مستعدين لخوضها.
¥