الثاني: أن نقتل أنفسنا بأيدينا كأن يسرق أحدنا فتقطع يده أو يزني فيرجم وغيرها من الأفعال غير المشروعة وعليه فعلى المحامي أن يراعي أحكام هذه الآية وغيرها فلا يخاصم أحداً ظلماً أو يأكل حقاً أو يساعد على أكله وعليه أن يقف مع الحق دائماً وأبداً.
أما بالنسبة لبدل الأتعاب والذي يسميه فقهاء الشريعة (الجعل) فقد اختلف الفقه الإسلامي والقانون الوضعي فيه، فسمح التقنين الوضعي للمتعاقدين بجعل بدل الأتعاب بنسبة مئوية إذا بلغت أكثر من 20% (في المواد المدنية) جاز للقضاء تخفيضه إلى الحد المعقول.
أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد نظروا نظرة شرعية و اجتماعية و أخلاقية إلى المهن التي يحتاجها المجتمع. واعتبروا العمل واجباً دينياً وفرض كفاية لا تتم مصلحة الناس إلا به، فإذا لم يقم أحد بهذا الواجب لحق بالمجتمع إثم على هذا التقصير فيكون الوجوب قائماً ما دام المجتمع محتاجاً إلى هذه الأعمال. وهذا المفهوم مبني على مبدأ وحدة المجتمع وتضامنه وتكافله. وعليه لا يجوز للعامل _ المحامي _ أن يفرض أجراً مرتفعاً مستغلاً حاجة الناس إلى عمله. كما ينبغي على الناس أن يعطوا هذا العامل _ المحامي _ كامل حقه دون نقص قبل أن يجف عرقه.
وقد اختلف الفقهاء في الجعل على الخصومة ما بين تحليل وكراهة.
روي أن الأمام مالك
( http://www.saaid.net/Doat/moslem/1.htm#
) قد كره الجعل على الخصومة وروي عنه عكس ذلك [4] ( http://www.saaid.net/Doat/moslem/1.htm#[4]) . ولعل سبب هذا الكره أن الخصومة لا تأتي إلا بالشر والمجادلة ولأنها قد تطول ولا ينجز منها غرض الجاعل فيذهب عمله مجاناً.
وقال الشيخ محمد أبو زهرة: (إن ما يأخذه المحامي رزق حلال إن كان لرفع الحق، لأن ما يأخذه على عمل وهو ثمن لمنفعة استوفاها الموكل [5] ( http://www.saaid.net/Doat/moslem/1.htm#[5]) ) .
وحقيق علينا أن نبين ما ينص عليه القانون الوضعي وما يفعله بعض الناس من إعطاء المحامين نسبة مئوية من مال الدعوى التي يربحونها كأتعاب لهم، فإن هذا اللون من الأتعاب لا يصح شرعاً أبداً. و المشروع هو تحديد جعل يتفق عليه قبل بدء العمل وعند التوكيل ويستحق هذا الجعل عند الانتهاء من العمل [6] ( http://www.saaid.net/Doat/moslem/1.htm#[6]) . إذا طرأ في القضية طارئ كأن تستجد دعوى جديدة متعلقة بها عندها يمكن الاتفاق من جديد عن بدل أتعاب كل هذه الطوارئ بيد أن هذا الأمر قليل جداً إذ أن المحامي _ عادة _ يستطيع اكتشاف ظواهر وبواطن القضية بعد دراستها دراسة عميقة ومتمعنة.
تنص المادة 1467 من المجلة العدلية: (إذا اشترطت الأجرة في الوكالة وأوفاها الوكيل استحق الأجرة، وأن لم تشترط ولم يكن الوكيل ممن يخدم بالأجرة كان متبرعاً فليس له أن يطالب بالأجرة) فإذا وكل أحدهم محامياً من أجل مخاصمة آخر فبين له الخصومة ومدتها وقاوله على الجعل كانت الإجارة المتفق عليها صحيحة ولزم الأجر المسمى أما إذا بقيت مدة الخصومة والمرافعة مجهولة فالأجرة فاسدة.
قال الأمام المزني [**] ( http://www.saaid.net/Doat/moslem/1.htm#[**]) : ( لا يصح الجعل إلا أن يكون معلوماً، فلو قال: قد وكلتك في بيع هذا الثوب على أن جعلك عشر ثمنه أو من كل مئة درهم من ثمنه درهماً لم يصح للجهل بمبلغ الثمن وله أجرة مثله …) [7] ( http://www.saaid.net/Doat/moslem/1.htm#[7])
يتبين لنا ومما تقدم أن بدل الأتعاب الشرعي يجب أن يكون مبيناً ومحدداً وغير مشوب بأي عزر وجهالة وعليه لا يصح بدل الأتعاب إذا حدد بنسبة معينة بل يجب أن يكون محدداً ومعلوماً مع مراعاة كل قضية وظروفها وكل وكيل (محام) وقدره وقيمته وعليه والله أعلم.
أما بالنسبة إلى درجة دين الجعل فقد أسماه الفقه الإسلامي بالدين القوي ومن الديون التي يعتبرها الفقه الإسلامي ديوناً قوية النفقة التي يفرضها القاضي أو التي تقرر بالاتفاق والتراضي فهذا النوع من الديون لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
أما باقي الديون فهي بمنزلة واحدة مهما اختلف أسبابها كالقرض والمهر ونحوه إذا كانت هذه الديون قد أبرمت في حال الصحة أما إذا حلت ذمة المدين بالديون في حال المرض فتصبح في المرتبة الثانية بعد الديون في حالة الصحة.
¥