(صناعة النفس) مَطْلَبٌ.
ـ[ذو المعالي]ــــــــ[31 - 03 - 02, 06:21 م]ـ
صناعة النفس
للإنسان قُدْرَةٌ في إظهار نفسه و تكوينها، و هو في ذلك غنيٌّ عن إظهار غيره له.
و هذه حال كثيرين يعتمدون على غيرهم، و يرتقون على أكتاف كبرائهم لإظهار أنفسهم.
و هذا فيه ما فيه من هضم النفس، و هَدْرٍ لما وهبها الله من آليَّات النهوض بها، و الرقي بها في سماء العلو.
و لذا كانت وظيفة (صناعة النفس) سائدة لدى فئة من الناس لا يُزَاحَمُوْنَ في وظيفتهم؛ و هذا إنما هو: لقلَّتِهم، و لعلو همتهم، و لقوة عزيمتهم.
فَمِنْ شابههم سلك دروبهم. و مَنْ لا فلا.
و هذه أسطرٌ كاشف فيها معاني (صناعة النفس) من خلال مباني الأحرف.
و مؤصِّلاً وظيفة (صناعة النفس) موافِقَاً أصول الشريعة، مراعياً أُسُسَ التربية.
معنى (صناعة النفس):
قد يتبادر إلى الذهن معنى لـ (صناعة النفس) غيرُ مُرادٍ لي؛ و دفعاً لتلك المبادرة أُبيِّنُ المعنى من (صناعة النفس) و هو:
سعيُ الإنسان _ الجادّ _ نحو إظهار نفسه، و الكشف عن مكنوناتها و مهاراتها التي تؤدي بها نحو عالم الإبداع.
و هذا المعنى هو من بنيَّات الفكر، و بَوْحِ الخاطر.
قواعدُ (صناعة النفس):
لـ (صناعة النفس) قواعدُ و أصولُ بها تُتْقَنُ و تُحْكَمُ (صناعة النفس)، و بدونها، و حال تخلُّفِها يكون الخلل، و يُخَيِّمُ الفشل.
و ههنا أمورٌ أربعة هنَّ أصولٌ لـ (صناعة النفس):
الأول: معرفة قُدُرَاتُ النفس:
إن الله _ تعالى _ متَّعَ الخلق بقُدَرٍ و مواهبَ؛ و هذه المواهب و القُدَرُ متفاوتةٌ بين الناس، و هم فيها متباينون.
فإذا عرف الإنسان قُدُرَاتُ نفسِه أحسن استعمالها، و انشغل بها عن غيرها.
و معرفة قُدَرُ النفس مُرْتَكِزَةٌ على رَكِزَتَيْن:
الأولى: عدم رَفْعِ النفس فوق قدْرِها.
حيث ترى _ و هو كثير _ مَنْ يُخادع نفسه و يُلْبِسُها لباس الزور فيُنزلها منازل كبيرةً عليها، ليست هي من أهلها و لا قَرُبَتْ من أحوالهم.
الثانية: عدم إهانتها و إنزالها عن قدرها.
و هذه كسابقتها في الكثرة و الانتشار.
و أعني بقُدَرِ النفس: ما تعرف النفس أنها ميَّالَةٌ إليه، و تتيقَّنُ أنها تُنْتِجُ فيه أكثر.
الثاني: حُسْنُ إدارة النفس:
إدارة النفس تعني: قُدْرَةُ الفرد على توجيه مشاعره و أفكاره و إمكانياته نحو ما يريد تحقيقه، و ما يصبو إلى تحصيله (انظر: إدارة الذات؛ أكرم رضا [17]).
فَحِيْن يستطيع الإنسان أن يوجِّهَ خواطره و مشاعره نحو ما يسعى إليه في حياته يكون بدءُ (صناعة النفس).
و إدارة النفس فنُّ له أصوله و قواعده و مهاراته، فليس هو أمرٌ بالهيِّن، و لا بالشأن السَّهل.
الثالث: تزكيةُ النفس:
تزكية النفس هي: تنميتها، و تطهيرها.
فتنميتها تكون بـ: الطاعات، و الفضائل.
و تطهيرها يكون بـ: التخلِّي من الآفات؛ المعاصي، و سفائل الأخلاق.
هذان أُسَّان في تربية النفس و تطهيرها.
الرابع: التدرُّج:
النفس توَّاقةٌ نحو الدَّعَةِ، و ساعيةٌ إلى الخمول و السُّكون، فإذا أراد صاحبها أن يُبْدِعَ في (صناعة النفس) فلا بدَّ له من نقلها من مواطن الركود و الدعة إلى مشارف العلو و الرفعة.
و هذا يحتاج إلى أن يتدرَّج بها صاحبها من الدُّوْنِ إلى العلو؛ شيئاً فشيئاً قليلاً قليلاً.
و سرُّ ذلك: أن في التدرُّج تنقُّلٌ مُمَهَّدٌ يستدعي تقبُّلَ النفس لتلك الصناعة.
و العكس ذو آفة يعرفها من أدرك حقيقة ذاك السر.
الخامس: الحكمة:
إن (صناعة النفس) تقتضي التعامل بالحكمة مع النفس؛ فلا تُجْهَد، و لا تُطْلَق لها الأزِمَّة.
فيراعيها في موطنين:
الأول: موطن الإقبال نحو المعالي؛ فيغتنم تلك الفرصة لتربيتها، و تنميتها.
الثاني: موطن الإحجام عن الفضائل فيستعمل معها سياسة القيادة من جهتين:
الأولى: الترغيب؛ فيرغب نفسه بفضائل الأفعال، و مقامات الكمال.
الثانية: الترهيب؛ فيرهب نفسه بعواقب الدُّنُوِّ، و يُبَيِّنُ لها مساويء الأعقاب.
طرقُ (صناعة النفس):
لـ (صناعة النفس) طريقان مهمان:
الأول: طريق (الذات):
و أعني به: أن يكون الإنسان هو الصانع لنفسه؛ و ذلك من خلال القواعد الخمس السابقة.
الثاني: طريق الغير:
و أعني به: أن تكون (صناعة النفس) للإنسان من خلال من هو خارج عنه _ أي: عن نفسه _ من: صاحب، أو عالم، أو أبٍ، ….
مجالات (صناعة النفس):
المجالات كثيرة و متعدِّدَةٌ، و لكن ما يهمُ هنا هو ما يتعلَّق بالأمور المتعلِّقة بالإسلام؛ و هما مجالان:
الأول: مجال العلم:
فإن أغلب الناس _ الصَّالحين _ ممن أعملَ نفسَه في العلم: طلباً، و تعليماً، و تأليفاً ... .
و هذه مَحْمَدَةٌ و مَنْقَبَةٌ يُفرَح بها.
لكن الأمر المُؤْسِف أن يكون من يشتغل بالعلم دائمَ الصعود و الظهور على أكتاف أشياخه، ملازماً لتقليدهم، حَذِرَاً من إبداء أي رأي له خَشْيَةَ عدم المُوَافَقَة.
و هذه سلبية لا إيجابية.
إذ الواجب على الإنسان أن يكون مُسْتَقِلاًّ بنفسه، مُعْتَمِدَاً عليها.
و هذا هو شأن كثير من العلماء ما أظهرهم إلا هم، سعوا جادِّيْن نحو (صناعة النفس) فأبدعوا و أنتجوا، في حين أن غيرهم ممن سيطر عليه الخوف ما بَرِحَ مكانه.
و لا أعني بكلامي هذا إسقاط ما للعلماء من مكانة و تأثير في نفس الإنسان، و إنما أُريدُ أن يكون الإنسان ذا رأي مُعْتَبِرَاً لنفسه قَدْرَاً و وزْنَاً، و يَنْفَرِدُ بالسعي في تَحْصِيْلِ العلم بعد أخذ مفاتحه و أصوله على مشايخه.
الثاني: مجال الدعوة:
و هذا أكثر و أشهر من سابقه.
و (صناعة النفس) فيه تكون بأن يَعْتَمِدَ الإنسان على ذاته في تبليغ الدعوة، و نشر الدين في أوساط الناس.
و كذلك أن يسعى لإيجاد طرائق مُتَعَدِّدَةٍ لتبليغ الدين، و نشر الدعوة في أوسع نطاق.
¥