[سلسلة الراجعين إلى منهج السلف (3) عودة أبو حامد الغزالي إلى السنة]
ـ[أبوعمير الحلبي]ــــــــ[22 - 02 - 06, 02:50 م]ـ
الغزالي محطة من محطات الفكر الصوفي، قد أرسى قواعد التصوف وعلومه في كتبه، لا سيما كتابه "إحياء علوم الدين" ... وبما أن الغزالي حجة الإسلام كما يقال؛ فقد أصبح للتصوف حجة عند المتصوفة، وهذا مشعر باعتقاد الصوفية العصمة في الغزالي، وكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هما حجة الإسلام؛ إذ الغزالي من البشر، وقد عوّدنا أن نستغفر الله عند خواتم العديد من كتبه من كل زلل أو خطأ ظنه صواباً.
إن حياة الغزالي العلمية مرّت على مراحل متعددة.
فقد خاض الفلسفة، ثم رجع عنها، وردّ عليها.
وخاض بعد ذلك الكلام، وأتقن أصوله ومقدماته، ثم رجع عنه بعد أن ظهر له فساده.
وبعد إعراضه عن الكلام وذمه إياه سلك مسلك الباطنية، وأخذ بعلومهم، ثم رجع عن ذلك، وأظهر بطلان عقائد الباطنية وتلاعبهم بالنصوص.
ومثل هذا في التصوف، ذاك الصنف الرابع والأخير الذي رامه منقذاً من الضلال.
بهذه السطور بدأ أبو عبيدة عبدالرحمن دمشقية كتابه القيم [أبو حامد الغزالي عقيدته وتصوفه] .. ثم بدأ يغوص ويسبر عقيدة وتصوف أبو حامد – رحمه الله- .. ولعدم التكرار أُحيلك عليه ..
لقد عاصر الغزالي زمناً كثرت فيه الآراء والمذاهب والفرق، وكان من أبرز ما عاصره آنذاك:
علم الكلام والفلسفة والباطنية والتصوف، هذا الرباعي الذي يشطح بصاحبه بعيداً عن الهدي النبوي .. وقد عكف الغزالي – كما أسلفنا- على دراسة كل واحدة منها.
وهذه العلوم على اختلافها وتداخلها في عقله أحدثت عنده شكّاً في كل العلوم.
وهذا الخليط جعله مضطرباً في باب الاعتقاد .. ومازال حائراً .. حتى وفقه الله للرجوع إلى الحق في كثير من المسائل ..
فهو من أبرز الراجعين عن منهج التأويل: ويمتاز بأنه يكثر من نقد علم الكلام وأهله حتى وهو في أعمق مراحل التصوف، غير أنه قبيل موته – وفقه الله- ليعلن استنكاره الشديد لطريق التأويل وعلم الكلام وأنه بدعة مذمومة ومخالفة للسلف. ووصف التأويل بصفته اللائقة به (التعطيل) وأفتى بحرمة خوض العلماء والوعاظ في التأويل، حكاه عنه المرتضى الزبيدي. وأوضح أن (علاج وهم التشبيه) أسهل من علاج التعطيل، إذ لا يكفي أن يقال مع هذه الظواهر {ليس كمثله شيء}.
أنظر إلجام العوام عن علم الكلام 96، 107، 108 ط الجندي، وأنظر إتحاف السادة المتقين 2/ 83.
يقول الجامي – رحمه الله-: (وللإمام الغزالي مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم، ومما يتصل ببحثنا هذا من مؤلفاته كتاب اللطيف (إلجام العوام عن علم الكلام) الذي أشاد فيه [كما سبق] بمذهب السلف وتحدث عن حقيقته مبيناً أنه هو الحق وأن من خالف السلف فهو مبتدع لأنه مذهب الصحابة والتابعين، وقد أُخِذَ من الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرة، فكل خير في إتباعهم وكل شر في الابتداع بعدهم، وقد تحدث فيه بإسهاب عن مذهب السلف وحقيقة مذهب السلف هو الإتباع دون الابتداع.
وللغزالي رسالة سماها (بغية المريد في رسائل التوحيد) وهي جملة رسائل مفيدة وجليلة ومشتملة على الكثير من المعاني اللطيفة وما يجب على المخلوق للخالق جل شأنه وعلى ما يجب معرفته على كل إنسان من علم التوحيد.
وقد تحدث فيها عن تنزيه الخالق وأنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئاً وكل ما خطر بالبال والوهم والخيال من التكييف والتمثيل فإنه سبحانه منزه عن ذلك.
وقد نص في هذه الرسالة على نفي شبه خطرة وهي: ما قد يتوهمه بعض الناس من أن إثبات الاستواء على العرش يلزم منه أن العرش يحمل الرب سبحانه وتعالى الله عما زعموا علواً كبيراً، وهو من جملة الأخطاء التي يتورط فيها أولئك الذين لا يكادون يفهمون صفات الله سبحانه وتعالى إلا كما يفهمون صفات خلقه من التحديد والإحاطة بالحقائق.
وفي نفي هذا الوهم يقول الإمام الغزالي: "وليس العرش بحامل له سبحانه؛ بل العرش وحملته يحملون لطفه وقدرته، وأنه تقدس عن الحاجة إلى مكان قبل خلق العرش وبعده، وأنه يتصف بالصفات التي كان عليها في الأزل"
¥