أما حديث أنس الموقوف عليه والذي رواه عنه البيهقي من طريق مسلمة بن جعفر، فقد قال فيه الذهبي في ميزان الاعتدال: مسلمة بن جعفر عن حسان بن حميد عن أنس في سب الناكح يده يُجهل هو وشيخه. ووافقه الحافظ ابن حجر في لسان الميزان.
ولكن هذا لا يعني أن العادة السرية ليست محرمة.
فقد صح عن ابن عمر أنه سئل عن الاستمناء فقال: ذاك نائك نفسه!
وكذلك صح عن ابن عباس مثله.
ووردت آثارا أخرى عن الصحابة في تحريم هذا الأمر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما الاستمناء فالأصل فيه التحريم عند جمهور العلماء، وعلى فاعله التعزير وليس مثل الزنا. والله أعلم.
وسئل – رحمه الله – عن الاستمناء هل هو حرام أم لا؟
فأجاب: أما الاستمناء باليد فهو حرام عند جمهور العلماء، وهو أصح القولين في مذهب أحمد، وكذلك يعزر من فعله، وفى القول الآخر هو مكروه غير محرم، وأكثرهم لا يبيحونه لخوف العنت ولا غيره، ونقل عن طائفة من الصحابة والتابعين أنهم رخصوا فيه للضرورة، مثل أن يخشى الزنا فلا يُعصم منه إلا به، ومثل أن يخاف أن لم يفعله أن يمرض، وهذا قول أحمد وغيره، وأما بدون الضرورة فما علمت أحداً رخّص فيه. والله أعلم. انتهى.
وممن أفتى بحرمته من العلماء المعاصرين: الشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم. رحم الله الجميع.
وأما النواهي عنها والزواجر عن هذه العادة السرية السيئة، فأمور:
أولها:
مراقبة الله عز وجل في حال الخلوة، وتعظيم نظره سبحانه
فإن الإنسان لا يفعلها إلا إذا غاب عن أعين الناس واستتر وخلا بنظر الله عز وجل.
فلا يجعل الله أهون الناظرين إليه.
ثبت في سنن ابن ماجه بسند صحيح عن ثوبان رضي الله عنهأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلِّهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
فقوله عليه الصلاة والسلام: إذا خلوا بمحارم الله. يدل على الكثرة والاستمرار.
وهذا هو شأن المنافقين الذي قال الله عز وجل عنهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)
وليعلم أن الله مُطّلع عليه يراه حيثما كان.
دخل رجل غيضة فقال: لو خلوت ها هنا بمعصية من كان يراني؟! فسمع صوتا ملأ ما بين لابتي الغيضة (ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
ثانيها:
أن يعلم أن حفظ الفرج مطلب، وقد أثنى الله على الحافظين لفروجهم والحافظات، وتقدّم كلام ابن القيم في ذلك.
وحفظ الفروج من الكليّات والضرورات التي جاءت الشريعة بحفظها.
وحفظ الفروج سبب لدخول الجنة.
فقال رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم: من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة. رواه البخاري.
وقال – عليه الصلاة والسلام –: اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة؛ اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم. رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.
والنساء شقائق الرجال، ولذا قال – عليه الصلاة والسلام –: إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها. قيل لها: أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت. رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني.
وحفظ الفرج له أسباب، ومن أعظم أسبابه غض البصر، ولذا قال سبحانه: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)
وقال بعدها مباشرة: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)
ولعل من أكثر ما يوقع في هذه العادة السيئة هو إطلاق البصر، وعدم غضِّه، سواء بالنسبة للرجالأو النساء.
وسواء كان النظر مُباشراً، أو كان عن طريق الصور الثابتة أو المتحركة!
ثالثها:
أن يقرأ في الكتب والأبحاث التي تناولت أضرار تلك الفعل، وذلك العمل.
فقد يكون رادعا له أن يعلم أضرارها ومخاطرها سواء قبل الزواج أو بعده.
رابعها:
أن يُشغل نفسه بأشياء من طاعة الله أو على الأقل بأشياء مباح.
ولذا كان السلف يستحسنون أن يكون للشاب العزب شعر يُرجّله ويُسرّحه ليشتغل به عن سفاسف الأمور.
وليتذكّر أن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
خامسها:
أن يسأل الله عز وجل أن يُجنّبه السوء والفحشاء.
وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه على آله وسلم: اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت. أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت. رواه مسلم.
سادسها:
أن يحرص على مجالسة الصالحين، و يجتنب رفقة السوء التي تعينه على المعصية.
وألا يخلو بنفسه فتأخذه الأفكار ويسبح في بحور الأوهام.
سابعها:
تجنّب ما يذكّره ويُثير شهوته ويبعث كوامن نفسه
كالنظر المحرم
سواء كان مباشرا أو عن طريق الشاشات أو المجلات ونحوها، وتقدّمت الإشارة إلى هذا في غض البصر، ولكني أحببت التأكيد عليه.
هذا ما تم تذكّره وكتابته في هذه العجالة حول النوهي عنها.
وأما الكفارة فلا كفارة لها إلا التوبة النصوح
فيتوب منها ولو وقع فيها وعاد إليها فيتوب من الذّنب كلما وقع فيه.
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
[email protected] ([email protected])