فاستدلوا بهذا البيت على أنّ المقلقل لا يكون إلاّ في الساكن لقول ابن الجزري رحمه الله (إن سكنا) من جهة، ومن جهة أخرى أنّ ظاهره يدلّ على أن القلقلة مرتبتان وهما الساكن لغير الوقف والساكن للوقف الذي يكون أبين.
وهذا الاستدلال غير صحيح لعدّة أسباب:
السبب الأوّل: أنّ قول ابن الجزري رحمه الله (وبيّناً مقلقلاً إن سكنا) لا يدلّ على منع أصل القلقلة في المتحرّك بل مراده بيّنها وأشبعها في الساكن. وهو كقوله (وأظهر الغنّة في نون ميم إذا ما شدِّدا) أي مكّن الغنّه وأشبعها عند تشديد الميم والنون، ولا شكّ أنّ ما قاله رحمه الله لا يدلّ على امتناع الغنّة في النون والميم المتحرّكتين أو الساكنتين المظهرتين كما هو معلوم.
السبب الثاني: من المعلوم أنّ القلقلة ناتجة عن صفتين لازمتين وهما الشدّة والجهر، فالشدّة منعت الصوت من الجريان والجهر منع النفس من الجريان، فاحبس الصوت والنفس جميعاً، فاحتاج الحرف إلى نبرة وهي التي تسمّى بالقلقلة حتّى يتمكّن الصوت من الخروج ليكون مسموعاً. فبالله عليك كيف تنشأ صفة عارضة عن صفتين لازمتين؟ فإن كان الحرف شديداً ومجهوراً حال تحرّكه فما الذي يمنع من وجود أصل القلقلة في المتحرك إذ إنّ القلقلة نائشة عن الشدّة والجهر كما سبق. ولذلك قال المرعشي في جهد المقل ص149 " واعلم أنّ القلقلة باجتماع الشدّة والجهر كما في بعض الرسائل - شرح الدر اليتيم - يشير إلى أنّ حروف القلقلة لا تنفكّ عن القلقلة عند تحرّكها وإن لم تكن القلقلة عند تحرّكها ظاهرة، كما أنّ حرفي الغنّة وهما النون والميم لا يخلوان عن الغنّة عند تحرّكهما وإن لم تظهر" اهـ. وقال الشيخ محمد مكّي نصر " والحاصل أنّ القلقلة صفة لازمة لهذه الأحرف الخمسة لكنّها في الموقوف عليه أقوى منها في الساكن الذي لم يوقف عليه وفي المتحرّك قلقلة أيضاً لكنّها أقلّ فيه من الساكن الذي لم يوقف عليه لأنّ تعريف القلقلة باجتماع الشدّة والجهر .. اهـ" (نهاية القول المفيد ص55).
السبب الثالث: أنّ في جميع الكتب القديمة والحديثة نجد أنّ القلقلة منصوصة ضمن الصفات اللازمة كالاستعلاء والرخاوة والجهر وغيرها إذ لو كانت صفة عارضة لوجدناها منصوصة ضمن الصفات العارضة كالتفخيم والترقيق والإدغام والإظهار وغيرها وهي الصفات التي اختلف القراء فيها بخلاف الصفات اللازمة ومن بينها صفة القلقلة لا خلاف فيها بين القراء بل ولا عند أهل اللغة.
أمّا التفريق بين المشدّد والمخفف فملموس سمعاً وأداءاً ونصاً حيث إنّ المشدّد بمثابة حرفين مخففين لذلك كان أقوى من المخفف وقد نصّ القدامي على ذلك فقال القرطبي (ت461) في الموضح وهو يتكلّم عن المشدّد: " إلاّ أنّ مُكثُهُ واحتباسُهُ في المشدّد لما حدث من التضعيف أكثر من مكثِهِ واحتباسه في المخفف ... " الموضح ص140 وقال ابن الجزري " فينبغي للقارئ أن يبيّن المشدّد حيث وقع، ويعطيه حقّه ليميّزه عن غيره " التمهيد ص204 ونكتفي بهذين النصّين دلالةً أنّ المشدّد أبين من المخفف فلا مانع إذاً من التفريق بينهما في مراتب القلقة كما في الغنّة حيث أقوى المراتب في الغنّة هي مرتبة النون والميم المشددتين.
وعلى ما ذكرنا يظهر جلياً أن المذهب الثاني هو الأقرب إلى صواب لكونه لا يخالف نصاً من النصوص المعتبرة وهو الملموس من الناحية العملية.
ثمّ إنّ الخلاف في هذه المسألة لايضرّ لأنّ الخلاف فيه لفظيّ لا يترتب عليه تغييرٌ في الصوت القرآني وإنّما ذكرناه من باب الفائدة.
هذا ما أردتّ قوله باختصار في هذه المسألة ولا أدّعي الكمال فيما ذكرت وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. ا. هـ كلامه ــ حفظه الله ــ
قلت: وكلام "مكي " فيه إشعار بوجود القلقلة في المتحرك حيث قال: " القلقلة صويت حادث عند خروج حرفها لضغطه فى موضعه ولا يكون إلا عند الوقف ولا يستطاع أن يوقف عليه دونها مع إظهار ذاته وهى مع الروم أشد. أ.هـ " والشاهد:" وهى مع الروم أشد. أ.هـ " ــ أي هذا الصويت الحادث عند خروج حرفها لضغطه فى موضعه ... ــ والله أعلم.
أما شبهة عدم وجودها ــ أي القلقة ــ في حالة إدغام نخلقكم إذ كيف تلغي وهي لازمة؟
أقول: صفات الطاء تلغي جميعها في حالة إدغامها الناقص في أحطت ماعدا صفة الإطباق فهل الصفات الأخرى مثل الجهر وغيرها عارضة؟ فإلغاء صفة في حالة ما لا تدل علي عدم لزومها كما بينا. هذا ما من الله به علينا وأسأل الله السلامة من كل ذلك وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل آمين.
والحمد لله رب العالمين
أبو عمر عبد الحكيم