تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما الآية فقد أفصحت عن خطئك فيها حين قلت (ص 378): " إن الأمر بغض البصر مطلق فيشمل كل ما ينبغي أن يغض البصر عنه. . .). فقولك: " مطلق " خطأ جرك إلى رد هذا الحديث الصحيح فإنه خلاف ما عليه المفسرون: كابن جرير والقرطبي وابن كثير فقالوا - واللفظ لابن كثير -: " هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه. . .). ففي الآية إذن ما يحرم النظر إليه وما يباح على الرجال والنساء فادعاؤك الإطلاق مردود عليك ولا سيما أنك بنيت عليه رد هذا الحديث الصحيح أو تعطيل دلالته بمعول التأويل الذي هدمتم به أدلة قاطعة وبخاصة ما كان منها حديثا نبويا كما فعلت أنت ومقلدك بحديث الخثعمية وغيره - كما تقدم في " البحث السادس " (ص 41 - 44) - وبحديث فاطمة بنت قيس - كما تقدم هناك (ص 46 - 47) - وقلده من يجري خلفه دون أي بحث أو تحقيق - كابن خلف وغيره - ثم نقلته أنت عنه في كتابك (3/ 327) مسلما مستكثرا به جاهلا أو متجاهلا - لا أدري والله - أن الخمار لغة وشرعا: غطاء الرأس دون الوجه كما عليه المسلمون سلفا وخلفا - وأنت منهم - فإني مهما ظننت بك وبأمثالك من المخالفين لا يصل الظن بكم أن تأمروا نساءكم أن يسترن وجوههن إذا قمن إلى الصلاة في البيت عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " بناء على زعمكم أن الخمار غطاء الوجه أيضا والمقصود أن الغض ليس على إطلاقه كما زعمت ولذلك قال ابن كثير في تمام كلامه السابق: (صحيح) " فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا كما رواه مسلم عن جرير قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري " (1). قلت: فالآية إذن كالحديث إنما تأمر بغض النظر عما حرم فقط فالإنصاف أن يقال: إن كان وجه المرأة مما يحرم عليها كشفه أمام الأجانب حرم عليهم النظر وإن جاز جاز. فهل أنصف القوم؟ الجواب مع الأسف: لا والدليل: أنهم لا يجيزون للمرأة أن تنظر إلى وجه الرجل وما دونه ______ (1) ورواه أصحاب السنن وأحمد وغيرهم وهو مخرج في " غاية المرام " (188) و" الإرواء " (6/ 198 / مما ليس بعورة منه واحتجوا بهذه الآية أي: بإطلاقها وقد عرفت خطأهم بخطأ مقلدهم كما احتجوا بحديث: " أفعمياوان أنتما؟ " وهو ضعيف كما تقدم بيانه والجواب عنه على افتراض صحته (ص 63 - 72) ثم تكلفوا في رد أدلة المجيزين للنظر بدون ريبة كما فعلوا بحديث نظر عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في المسجد وهو مخرج في " آداب الزفاف " (272 - 274 / المكتبة الإسلامية) من رواية الشيخين وغيرهما وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (صحيح) " أتحبين أن تنظري إليهم؟ ". وقولها: فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم. وقولها: وما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه. ومع هذه النصوص الصريحة في نظرها إليهم فقد عطلوا دلالتها - كما هي عادتهم - بقولهم تارة: " ليس في الحديث أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت إلى لعبهم " فأقول: يكفي القارئ الكريم أن يتصور هذا الجواب ليظهر له بطلانه إذ لا يمكن الفصل بين النظر إلى الصفة وهو اللعب وبين الموصوف وهو اللاعب فكان عائشة تنظر في زعمهم إلى اللعب دون اللاعب هكذا فلتعطل النصوص ولو أنهم قالوا: لم تنظر إلى عورة أو لم تنظر إليهم بنظرة مريبة أو بخشية الفتنة لأصابوا فإن هذا هو المحرم بين الجنسين أن ينظر أحدهما إلى عورة الآخر أو إلى ما ليس بعورة ولكن بشهوة أو يخشى الفتنة كما تقدم عن ابن عبد البر وغيره وقد تقدمت أقوالهم في بعض البحوث المتقدمة وسأجمعها لك قريبا إن شاء الله تعالى. ثم رأيت للحافظ ابن القطان كلاما قويا جدا - لم أره لغيره من أهل العلم - يوافق ما ذكرته من الإنصاف من جهة ويلتقي في النهاية مع أقوالهم المشار إليها من جهة أخرى فرأيت أن لا أفوت على القراء فائدتها فقال رحمه الله في كتابه (ق 54/ 2): " وقد قدمناه في مواضع أن إجازة الإظهار دليل على إجازة النظر فإذا نحن قلنا: يجوز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها لكل أحد على غير وجه التبرج من غير ضرورة لكون ذلك مما ظهر من زينتها ومما يشق تعاهده بالستر في حال المهنة فقد جاز للناس النظر إلى ذلك منها لأنه لو كان النظر ممنوعا مع أنه يجوز لها الإبداء كان ذلك معاونة على إثم وتعريضا للمعصية وإيقاعا في الفتنة بمثابة تناول الميتة للآكل غير المضطر فمن قال من الفقهاء بجواز الابداء فهو غير محتاج إلى إقامة دليل على جواز النظر وكذلك ينبغي أن يكون من لم يجز للمرأة الإبداء والإظهار غير محتاج إلى إقامة الدليل على تحريم النظر وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها فإذن النظر إلى ذلك جائز لكن بشرط أن لا يخاف الفتنة وأن لا يقصد اللذة أما إذا قصد اللذة فلا نزاع في التحريم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير