[إشكال على حديث الحسن بن علي في دعاء القنوت]
ـ[د. بسام الغانم]ــــــــ[13 - 11 - 02, 04:09 م]ـ
اطلعت على كلام للشيخ العلوان يبين فيه أن حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما "اللهم اهدني فيمن هديت" لايصح تقييده بالقنوت وأن رواية تقييده بالقنوت شاذة فمارأي الإخوة في هذا؟ 0حفظكم الله وبارك فيكم 0
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[14 - 11 - 02, 03:02 ص]ـ
المسألة الخامسة: في القنوت:
القنوت في الوتر لم يثبت فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله. قال الإمام أحمد: لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء .... ).
وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: (ولست أحفظ خبراً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر ... ). غير أنه ثبت عن بعض الصحابة رضى الله عنهم كما قال عطاء حين سئل عن القنوت قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه. وجاء عن بعض الصحابة أنه لا يقنت إلاّ في النصف من رمضان. صح هذا عن ابن عمر. رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.
وقال الإمام الزهري رحمه الله: (لا قنوت في السنة كلها إلاّ في النصف الآخر من رمضان). رواه عبد الرزاق في المصنف، بسند صحيح. وقال الإمام أبو داود قلت لأحمد: القنوت في الوتر السنة كلها؟ قال: إن شئت، قلت: فما تختار؟ قال: أما أنا فلا أقنت إلاّ في النصف الباقي، إلاّ أن أصلي خلف الإمام فيقنت فأقنت معه.
وذكر ابن وهب عن مالك في القنوت في رمضان أنه قال إنما يكون في النصف الآخر من الشهر. وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله. وفي وجه عنده يستحب القنوت في الوتر بالسنة كلها وهذه آخر الروايات عن الإمام أحمد رحمه الله. قال النووي رحمه الله: وهذا الوجه قوي في الدليل لحديث الحسن بن علي رضي الله عنهما.
أقول: وفي هذا نظر من وجهين:
الوجه الأول: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في هذا الباب قاله أحمد وغيره، واستحباب المواظبة على أمر لم يثبت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر. وقد جاءت أحاديث كثيرة تصف وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في شيء منها أنه قنت في الوتر، ولاسيما أن هذه الأحاديث من رواية الملازمين له كعائشة رضي الله عنها. فلو كان يقنت كل السنة أو معظمها أو علم أحداًَ هذا لنقل ذلك إلينا.
الوجه الثاني: أن عمدة القائلين باستحباب القنوت في السنة كلها هو حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت) رواه أحمد وأهل السنن من طريق أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن به. ورواه أحمد من طريق يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء بمثله. و إسناده جيد، إلاّ أن زيادة (قنوت الوتر) شاذة. فقد رواه أحمد في مسنده عن يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني بريد بن أبي مريم بلفظ (كان يعلمنا هذا الدعاء، اللهم اهدني فيمن هديت ... ) وهذا هو المحفوظ لأن شعبة أوثق من كل من رواه عن بريد فتقدم روايته على غيره ومَن قَبل تفرّد الثقة عن أقرانه الذين هم أوثق منه بدون قيود ولا ضوابط فقد غلط، ومن أدّعى قبول زيادة الثقة إذا لم تخالف روايته ما رواه الآخرون فقد أخطأ. فأئمة الحديث العالمون بعلله وغوامضه لا يقبلون الزيادة مطلقاً كقول الأصوليين وأكثر الفقهاء ولا يردونها بدون قيد ولا ضابط بل يحكمون على كل زيادة بما يقتضيه المقام وهذا الصواب في هذه المسألة وبيان وجهه له مكان آخرفالمقصود هنا ترجيح رواية شعبة على روايتي أبي اسحاق ويونس.
وبعد تحرير هذا وقفت على كلام لابن خزيمة رحمه الله يؤيد ما ذهبت إليه، قال: (وهذا الخبر رواه شعبة بن الحجاج عن بريد بن أبي مريم في قصة الدعاء، ولم يذكر القنوت ولا الوتر. قال: وشعبة أحفظ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق، وأبو إسحاق لا يعلم أسمع هذا الخبر من بريد أو دلسه عنه. اللهم إلاّ أن يكون كما يدعي بعض علمائنا أن كل ما رواه يونس عن من روى عنه أبوه أبو إسحاق هو مما سمعه يونس مع أبيه ممن روى عنه. ولو ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقنوت في الوتر أو قنت في الوتر لم يجز عندي مخالفة خبر النبي صلى الله عليه وسلم ولست أعلمه ثابتاً].
وقد تقدم قول الإمام أحمد (لا يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء) ولكن ثبت القنوت عن الصحابة رضي الله عنهم على خلاف بينهم، هل يقنت في السنة كلها أم لا، والحق فيه أنه مستحب في بعض الأحيان، والأولى أن يكون الترك أكثر من الفعل، وما يفعله بعض الأئمة من المثابرة عليه فغلط مخالف للسنة. وإذا ثبت ضعف لفظة القنوت في خير الحسن. فاعلم أن القنوت يشرع بأي دعاء ليس فيه اعتداء ولا سجع مكلف وتلحين مطرب ونحو ذلك مما اخترعه المتأخرون مما لا أصل له في الكتاب ولا في السنة ولا جرى به عمل للأئمة. غاية ما في الأمر اجتهادات فردية ممن لا يملك حق الاجتهاد، أدّت إلى ترك المشروع وتتبع الآراء وتحكيم الأهواء، وقد جرّ هذا الأمر المغلوط إلى ملحوظات أخرى من إطالة الدعاء والمبالغة فيه بما يشق على المأمومين ويجعلهم في ملل وتألم وبغض للحال.