أما الذين غدروا بالحسين , وأسلموه لسيوفهم , وأعملوا فيه وفي آل بيته حرارة القتل , وسفكوا دمائهم , فقد أرادوا أن يجعلوا من يوم استشهاده محطة تغيير للشريعة الغراء , وتنكر للعقيدة السمحة , ونسف لكل معطيات الحق في هذه الأمة , وهذه نتيجة صحيحة على رغم قسوتها , فقد شاءت الرافضة أن يصنعوا من هذا اليوم انقلاباً في مقدارات هذه الأمة؛ التاريخية والعقدية , والتشريعية , اهتبلوا فرصة حب الأمة لآل النبي صلوات الله عليه , وعاطفتها الجياشة نحوهم , خصوصاً بما حف استشهاده من محازن , اهتبلوا هذه الفرصة ليتوسلوا بها إلي قلب كيان الحق , وتغيير جوهرة المتأصل في أمة محمد ? كتاباً وسنة وهدياً متواصلاً من الصحب الكرام والأئمة الأعلام.
لقد تحول أمر الشيعة من مجرد مناصرة علي أو الحسين -رضي الله عنهما- على أمر يرونهما أحق من غيرهما به -ونحن نراهما كذلك-إلى جعل أمر الخلافة عقيدة دينية تحصر الإمامة في آل النبي ?، بل في أفراد مسمَّين بأسمائهم، حتى دخلت مصطلحات إمامة الغائب وإمامة النائب وإمامة الفقيه، وكفرت الأمة حين لم تقبل هذا التحول الخطير الذي انحرف عن أصل التشيع المبني على مناصرة علي والحسين -رضي الله عنهما- باعتبارهما أولى من مقاتليهما بالخلافة.
وقد رفض كبار أئمة آل البيت مثل علي بن الحسين وزيد بن علي -رضي الله عنهما- هذا التطور الفكري الذي يحاول إيقاع الأمة في مزلق (تسييس العقيدة)، وحملها على اعتبار قضايا الخلافة والمفاضلة بين الناس فيها قضايا مبتوتة يكفر معتقد خلاف موقفهم فيها.
وحسبك بعلي بن الحسين وزيد بن علي رفضاً لهذا الموقف المنحرف، ومن ثمة رفض الغلاة زيد بن علي وسموا بالرافضة، وهم في الحقيقة مرفوضون، لأن زيد رفضهم قبل أن يرفضوه، رفضهم فكراً واعتقاداً، وبدعةً وانحرافاً.
ثم يأتي مع هذا التطور العقدي الخطير، تطور سلوكي منحرف، اضطرت الرافضة أن تسنده بتشريعات مختلفة، ومن أهم هذه الانحرافات تلك السلوكيات المشينة التي عرفت عندهم باسم (الحسينيات)، إلى جانب الأكاذيب التي وضعت حول مقتل الحسين نفسه، ثم التحليلات غير الصادقة لمواقف الناس -صحابة وغيرهم- من الحسين ?.
لقد اعتبروا نصح الصحابة للحسين بعدم الخروج خذلاناً له، بينما الحق أن الذين خذلوه هم أولئك الذين أغروه بالخروج من شيعة أبيه بالكوفة، ودعوه إليهم بالكتب والبيعات الكاذبة، ثم لما بعث إليهم مسلم بن عقيل أسلموه لأعدائه، ولما جائهم الحسين بنفسه استقبلوه بحد السيوف، حتى قتلوه، وأفنوا آل بيته.
فانظر إلى المنطق المعكوس!!
لقد لاموا هذه الأمة لأنها لا تصنع صنائعهم في أيام مقتله من إقامة المتائم، ومواصلة البدع التي تنكرها الفطر السليمة، من لطم الخدود، وشق الجيوب وضرب الهامات بالسيوف وإدمائها، مع أنهم أولى باللوم لأن هذا كله مخالف لدين محمد، وهدي آل بيته الكرام.
لقد اعتبروا صوم عاشوراء -الذي وردت به السنة المشرفة- تعبيراً عن الفرح والسرور بمقتل الحسين، والتشفي منه رضون الله عليه، مع أن سادة آل البيت -وهم سادة الدنيا- قد أقروا صيام هذا اليوم لوروده عن النبي ?، الذي شرع صومه قبل أن يُقتل الحسين ? بنصف قرن من الزمان تقريباً.
من أجل كل هذا استحثثت الهمة لوضع هذا الكتاب، ولعلها فكرة لم أُسبق إليها، لأن الكتب في هذا الموضوع -وإن كانت مفيدة في جملتها، ويتناول بعضها أموراً مهمة، وقد تكون خفية في هذا المجال، خصوصاً فرز بعض الأخبار المتعلقة بمقتل الحسين ? - إلا أنها لم تعالج الموضوع بهذه الشمولية التي أتخياها في كتابي، والتي أطمح منها إلى تكامل النظرة فيما يتعلق بموضوع يعد في حقيقته من أخطر الموضوعات التي واجهت الفكر الإسلامي، لأن التحرير التاريخي لمسائل الشيعة يؤكد أن خيط التمدد الفكري، وانحراف الميزان، وتطوير النظرة إلى الأمور التشريعية والعقائدية والحديثية أيضاً، يبدأ بموقفهم من مقتل الحسين ?.
¥