تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بل صار ترك الترفه وصفا ملازما لأهل السنة، فقد قال الحسن البصري رحمه الله: "سننكم والله بين الغالي والجافي، وإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما يأتي لم يذهبوا مع أهل الترف في ترفهم ولا مع أهل البدع في بدعهم بل حافظوا على الحق حتى لقوا ربهم فكذلك فكونوا رحمكم الله ".بل إن السلف كانوا ينهون عن مجالسة المترفين خوفا من العدوى، قال المروذي: سمعت أبا عبدالله - أحمد بن حنبل – وذكر قوما من المترفين فقال: الدنو منهم فتنة والجلوس معهم فتنة.

ثم ليعلم أن النصوص المحذرة من الترف لم تأت من فراغ وإنما حُذر المؤمنون منه لما فيه من مفاسد، ومن هذه المفاسد:

1 - أن الترف والتنعم مؤد إلى التنافس على جمع الدنيا فتحصل الخصومة المؤدية إلى التفرق والقتال. وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمها أبناء الملوك – أبناء فارس والروم – سُلط شرارها على خيارها).

2 - أن أهل العبادة والصلاح بعيدون عن التنعم والترف، والوقوع فيهما بعدٌ عن طريق أهل الخير. ولذلك لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: (إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين).

3 - أن الترفه والتنعم من أسباب قسوة القلب ونسيان الآخرة ولذا فأهل التنعم هم شرار هذه الأمة، وقد روى البيهقي في الشعب عن فاطمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ... ).

4 - أن العبد مسؤول عن طريق الحصول على التنعم وعن شكره بعد ذلك، قال تعالى: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم). وأما أول سؤال من النعيم فهو السؤال عن نعمة الصحة والماء البارد، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد).

5 - أن الأمة المترفة أسرع الى الفناء والهزيمة من غيرها، وقد قال ابن خلدون في الفصل الثامن عشر من مقدمته: فصل في أن من عوائق الملك الترف وانغماس القبيل في النعيم، قال: وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فضلا عن الملك، فإن عوارض الترف والغرق في النعيم كاسر من سَورة العصبية التي بها التغلب، وإذا انقرضت العصبية قصر القبيل عن المدافعة والحماية فضلا عن المطالبة والتهمتهم الأمم سواهم".

ومن الترف المستشري في المجتمع الإكثار من المطعومات كما ونوعا، وقد ذكر بعض أطباء المسلمين أن الله تعالى جمع الطب في نصف آية وهي قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). وقد روى البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم قال قال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة). وروى أيضا بصيغة الجزم قال قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأك اثنتان سرف أو مخيلة".

والسرف المذموم في الأكل والشرب نوعان: التخليط والتنويع في الطعام والإكثار منه والسمنة الناتجة عنهما.

فأما التخليط والتنويع في الطعام فقد ورد ذمه بصيغ شتى، فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من أقوام همهم بطونهم وشهواتهم فيكثرون من التنويع في الأطعمة والأشربة فقد روى الطبراني وغيره عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام، فألائك شرار أمتي). وعن فاطمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام).

فالتخليط في الطعام مذموم شرعا وطبا، قال البيهقي: وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اشترى من اللحم المهزول، وجعل عليه سمنا، فرفع عمر يده وقال: والله ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر، فقال ابن عمر: اطعم يا أمير المؤمنين فوالله لا يجتمعان عندي أبدا إلا فعلت ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير