ونتصور ألا ينقل المحبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يؤمنوا به كذبة مفترضة سمعوها منه فالمحب يحرص أن تكون صورة محبوبه ناصعة جميلة وتمنعه محبته العاطفية له من أن يأتي بما يخدش هذه الصورة!
كما أننا نتصور ألا ينقل المحايدون أية كذبة مفترضة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ ليس هناك ما يدعوهم إلى ذلك.
نعم نتصور ذلك كله ويمكننا تقبله!
ولكن كيف نتصور أن يتواطأ المبغضون لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجاهرين بتكذيبه المدعين أنه كذاب مع غيرهم من الناس فلا ينقل واحد منهم كذبة واحدة مفترضة صدرت عنه صلى الله عليه وسلم؟! إن هذا ما لا يمكن أن نتصوره! فإن الداعي لنقل هؤلاء لأية كذبة صدرت عنه صلى الله عليه وسلم كبير وإن كذبة واحدة ينقلونها عنه صلى الله عليه وسلم تجعل لهم عذراً أمام كل الناس بل أمام الله تعالى نفسه في تكذيبهم له صلى الله عليه وسلم! لأن الذي يكذب مرة يكذب أخرى والذي يكذب فيما دون النبوة قد يكذب في ادعائه إياها! هذا بالإضافة إلى أنهم صرحوا بأنه كذاب فكان لا بد من أن ينقلوا برهاناً واحداً على الأقل يؤيد دعواهم.
فلماذا لم ينقل واحد منهم كذبة واحدة عنه صلى الله عليه وسلم؟!
الجواب واضح! فإن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكذب قط. فوالله لو أن محمداً صلى الله عليه وسلم كذب كذبة واحدة وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك ليطيرن بها الكفار في الآفاق وليبدن بها ويعيدون حتى تبلغ الآفاق كلها! ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث فدل قطعاً على أنهم لم يسمعوا منه كذبة واحدة مما يدل قطعاً ويقيناً أنه لم يكذب قط؛ ومن هذا حاله فإن الأصل في إخباره عن نفسه بالنبوة أنه صادق حتى يأتي برهان علمي مبين ودليل قاطع لا يقبل الجدل أو الاحتمال أنه يكذب في دعواه هذه!
وقد بحثنا في جميع أقوال المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نجد سوى أكاذيب ملفقة، أو انطباعات نفسية لا قيمة لها في سوق الحقيقة!
ومن المعلوم أن تكذيب شخص يكون بأحد الأمور التالية:
فإما أن يأتي بكلمة جاء بها أو قالها تناقض الحقائق المقطوع بها.
وإما أن يأتي بكلمتين له تناقضان بعضها بحيث لا يمكن أن يجمع بينهما بشكل.
فهل جاء أحد بشيء من ذلك؟! لا! وحتى هذه اللحظة لم نجد برهاناً علمياً واحداً على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم! مع العلم بأن الأرض تغص بمراكز الدراسات والبحوث المتعلقة بكل شأن من شؤون العلم طبعية كانت أم نفسية أم اجتماعية فهل ظهرت دراسة علمية مبنية على منهج علمي صحيح تكذب كلمة قالها محمد صلى الله عليه وسلم؟! لا والله! فعلى أي شيء يدل ذلك؟! أفلا يدل على أن كل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق؟! أم أن هذه المراكز تواطأت مع النبي صلى الله عليه وسلم على اختلاف أديان أصحابها والباحثين فيها؟!
وهنا قد يقول قائل: ولكنك لا تزال تعتمد حتى هذه اللحظة على عدم وجود المكذب ولكنك لم تأت بما يدل قطعاً على صدق نبوته أفلا يحتمل أن يكون هناك ما يمنع من صدق نبوته؟! فأقول:
من الحمق أن أفترض شيئاً لا أعلمه وأنكر شيئاً أعلمه! والاحتمال لا قيمة له وهو مجرد وسوسة في النفس لا تقدم ولا تؤخر!
ثم إن عدم العلم هنا هو العلم اليقين عينه! فإن تواطؤ الناس على عدم التكذيب -مع اختلاف مشاربهم ومذاهبهم- يدل على الصدق وصحة ما جاء به.
ومع ذلك فقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بما يؤكد نبوته قطعاً ويقيناً، ومن ذلك القرآن نفسه الذي تحدى البلغاء بأن يأتوا بمثله! وقد تواتر عن العرب أنهم عجزوا عن ذلك!
كما أن كثيراً من الأخبار التي جاء بها القرآن تحققت بطريقة علمية أمامنا وأقر بها المتخصصون، وذلك كقضية نمو الجنين وتطوره، حيث بين لنا المتخصصون الذين جلسنا إليهم ومثلهم لا يحصون ممن قرأنا لهم وسمعنا لهم دقة وصف القرآن لنمو الجنين وتطوره!
والأمثلة على ما جاء في القرآن من تحديات كثيرة وأكتفي منها بتحدي القرآن لليهود بأن يتمنوا الموت، وأخبرهم بأنه (لن يتمنوه أبداً) وأنهم أحرص الناس على حياة) فهل سجل التاريخ أو سجل أحد من المعاصرين ليهودي أنه تمنى الموت؟! فمن سمع يهودياً تمنى الموت أو سمع من سمع يهودياً أو سمع من سمع من سمعه ... فليتفضل بتسجيل شهادته!
¥