وممّن ذهب إلى هذا القول من الشّافعيّة المحب الطّبريّ وحمزة النّاشريّ وغيرهما , وقالوا باستحباب المصافحة عقب الصّلوات مطلقاً , واستأنس الطّبريّ بما رواه أحمد والبخاري عن أبي حنيفة رضي اللّه عنه قال: «خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضّأ ثمّ صلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة تمر من ورائها المرأة وقام النّاس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم قال أبو جحيفة فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثّلج وأطيب رائحةً من المسك» , قال المحب الطّبريّ: ويستأنس بذلك لما تطابق عليه النّاس من المصافحة بعد الصّلوات في الجماعات لا سيّما في العصر والمغرب إذا اقترن به قصد صالح من تبركٍ أو تودد أو نحوه.
وأمّا القول بالإباحة فقد ذهب إليه العز بن عبد السّلام من الشّافعيّة , حيث قسّم البدع إلى خمسة أقسام: واجبة ومحرّمة ومكروهة ومستحبّة ومباحة , ثمّ قال: وللبدع المباحة أمثلة منها المصافحة عقيب الصبح والعصر.
ونقل ابن علّان عن المرقاة أنّه مع كونها من البدع فإذا مدّ مسلم يده إليه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد لما يترتّب عليه من أذًى يزيد على مراعاة الأدب , وإن كان يقال إنّ فيه نوع إعانة على البدعة وذلك لما فيه من المجابرة.
واستحسن النّووي في المجموع - كما نقله ابن علّان - كلام ابن عبد السّلام واختار أنّ مصافحة من كان معه قبل الصّلاة مباحة ومن لم يكن معه قبل الصّلاة سنّة , وقال في الأذكار: واعلم أنّ هذه المصافحة مستحبّة عند كلّ لقاء , وأمّا ما اعتاده النّاس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشّرع على هذا الوجه , ولكن لا بأس به , فإنّ أصل المصافحة سنّة , وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة الّتي ورد الشّرع بأصلها.
وأمّا القول بالكراهة فقد نقله ابن عابدين عن بعض علماء المذهب , وقال: قد يقال: إنّ المواظبة عليها بعد الصّلوات خاصّةً قد يؤدّي بالجهلة إلى اعتقاد سنّيّتها في خصوص هذه المواضع , وأنّ لها خصوصيّةً زائدةً على غيرها , مع أنّ ظاهر كلامهم أنّه لم يفعلها أحد من السّلف في هذه المواضع , وذكر أنّ منهم من كرهها لأنّها من سنن الرّوافض.
واعتبر ابن الحاجّ هذه المصافحة من البدع الّتي ينبغي أن تمنع في المساجد , لأنّ موضع المصافحة في الشّرع إنّما هو عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصّلوات الخمس , فحيث وضعها الشّرع توضع , فينهى عن ذلك ويزجر فاعله , لما أتى من خلاف السنّة.
ـ[عبد القادر المغربي]ــــــــ[18 - 08 - 06, 03:53 م]ـ
جزاكم الله خيرا