تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو داوود القاهري]ــــــــ[15 - 03 - 06, 02:41 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

بالنسبة للسؤال الأول, فهو نتاج الفكر الإلحادي اللعين الذي سيطر على عقول الغرب. فهؤلاء القوم لا يعرفون معنى "الدين" ولا معنى "الإله" ولا معنى "الرب". بالأمر عندهم أن الكل له الحق أن يعبد ما يشاء كيفما يشاء, أو لا يعبد شيئاً أصلاً. لعن الله مثل هذه الحرية.

فمثل هذا يقال له: ما أدراك أنه لم يكن هناك رسل في مناطق أخرى (مع التحفظ في استخدام مصطلح "الشرق الأوسط")؟ وإن لم يكن, فالله تعالى يقول" {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} وهذا أمر بديهي بل هو ضرورة عقلية وشرعية. ولا حاجة لنا أن نثبت نبوة موسى وداود وعيسى ابتداءاً, بل نكتفي بإثبات نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو ما يقتضي ثبوت ما جاء به من أخبار عن من سبقه من الرسل المُكرمين. فنقول وبالله التوفيق:

هذا القرآن الذي جاء به رسولنا الكريم لا يخلو أن يكون قد جاء من عند الله, أو من عند محمد, أو من عند مخلوق آخر (بشر, جن ... إلخ) فإن قالوا هو من تأليف محمد قلنا فلم لم يُقرَه (إي يقرَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم) في كل ما قال؟ فإن قالوا ليثبت أنه نبي ولكي لا يكون زيفه واضحاً قلنا فما مصلحته في ذلك؟ فهو صلى الله عليه وسلم ما نال من وراء النبوة مالاً ولا جاهاً, بل عاش صلى الله عليه وسلم فقيراً ومات درعه مرهونة عند يهودي, بل إن الصدقة قد حُرمت عليه وعلى أهل بيته فإن قال لعله سعى وفشل يقال له السيرة الثابتة تكذبك, فما أحب شخصاً قومٌ قط في تاريخ البشر كما أحب رسولُنا صلى الله عليه وسلم أصحابُه. فإن تراجع وقال هو من عند مخلوق آخر قلنا فما مصلحة ذلك المخلوق الآخر في أن يُعبد الله وحده ولا ينال هو أي نصيب من عبادة ولا مال ولا شهرة ولا سُلطة؟ يضاف إلى ما سبق ما في القرآن العظيم من المعجزات التي ما زالت تُكتشف حتى يومنا هذا. فلا يبقى إلا أن يقر أنه من عند الله, فإن فعل لزمه الإقرار بكل ما جاء به.

فإن لم يكن يقر بوجود خالق أصلاً, بل الأمر عنده راجع إلى الصدفة كما قال بعض ملاحدة الفلاسفة في العصور الحديثة (ووالله القائل بهذا أغبى وأجهل من الحمار, مع احترامي للأخير) فقل له لو قلت لك أن زجاجة حبر انسكبت على الأرض فرسم الحبر حرفاً منسقاً واضح المعالم, أكنت مصدقي؟ فإن قال نعم, قد تكون صدفة, فقل له ما رأيك لو قلت لك أن الحبر المسكوب قد كتب كلمة كاملة؟ فسيتردد, فبادره بقولك بل أعجب من هذا أن هذا الحبر قد كتب قصيدة كاملة بديعة موزونة مُقفاة, جميلة النظم والمعنى, فيها من الحِكم ما يعجب له القارئ, فسيقول حسبك, هذا لا يعقل أن يكون صدفة, فقل لهذا الأعمى فانظر حولك إلى هذا الكون كله بنجومه ومجراته, بل انظر إلى ما حولك من الكائنات, بل انظر إلى نفسك, بل انظر إلى عضو واحد من أعضائك وما فيه من عجب حار الطب الطب الحديث أمامه, أكل هذا صدفة؟ أما ليس له من صانع؟ فإن قال سلمت أن له صانعاً ولكن ما يدريني أنه كلفنا بعبادته وأرسل إلينا رسلاً وأنه سيبعثنا بعد الممات وسيثيبنا أو يعاقبنا؟ فارجع به إلى الرد الأول.

وبالنسبة لقوله: "إنكم محصورون بأفكاركم فى الشرق الأوسط و لكن إذا خرجتم خارج هذا ستجدوا أن عقولكم ستتفتح" فقل له لو أنك يا ساذج قد بحثت قبل أن تنطق لعرفت بله كلامك هذا. ففي المشرق نجد في الصين أكثر من 100 مليون مسلم (نعم, مئة مليون!) لا تسمع أنت يا ذا العقل المتفتح عنهم. وكذلك في إندونسيا وماليزيا وروسيا وما حولهم, وفي الغرب عندنا الأندلس (اللهم رد إلينا أندلسنا, قولوا آمين) عمر دولة المسلمين فيها أكبر من عمر دولة الأسبان والبرتغاليين حتى يومنا هذا! وما عرف سُكان الكهوف أكلة الحشرات هؤلاء الحضارة إلا من المسلمين. بل إنهم ما عرفوا النظافة ولا الاستحمام إلا عن طريق المسلمين (لاحظ إنتشار صناعة العطور في فرنسا, والسبب لا يخفى).

وبالنسبة للسؤال الثاني فقد أجاب الإخوة عنه جزئياً, وإن كنت عن نفسي أرى أن السؤال -كقائله- أتفه من أن نكلف أنفسنا عناء الإجابة عنه, فهو لا يعدوا كونه شبه لا ترد إلا على من لا يعرف عن الرسول إلا اسمه. فيُعرَّف.

هذا رد موجز على ذلك المسكين, فعسى الله أن يهديه ويشرح صدره إلى الإسلام. وهذه الأسئلة لو بسطت الإجابة عليها لاستوعبها مجلد كبير أو أكثر. والله أعلم.

ولا ينس السائل أنه إن كان المقام مقام مناظرة, فلا يقحم نفسه فيما هو ليس له أهل وليَتركها لأهل العلم الأثبات كي لا يُلقي الخصم في قلبه شكاً والعياذ بالله, {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا}. وأما إن كان المقام مقام دعوة فليتسلح بالإخلاص والتوكل والعلم, وليدع إلى الله على بصيرة وبالحكمة والموعظة الحسنة.

والله المستعان

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير