ويعرض دعاة الاحتفال بالمولد هذه القضية على أنها خصومة بين أحباب الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه وخلاف بين من يعظمون الرسول صلى الله عليه وسلم ويقدرونه وينتصرون له، وبين من يهملونه، ولا يحبونه ولا يضعونه في الموضع اللائق به.
ولا شك أن عرض القضية على هذا النحو هو من أعظم التلبيس وأكبر الغش لجمهور الناس، وعامة المسلمين، فالقضية ليست على هذا النحو بتاتاً فالذين لا يرون جواز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم خوفاً من الإبتداع في الدين هم أسعد الناس حظاً بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته، فهم أكثر الناس تمسكاً بسنته، واقتفاءاً لآثاره، وتتبعاً لحركاته وسكناته، وإقتداء به في كل أعماله صلى الله عليه وسلم، وهم كذلك أعلم الناس بسنته وهديه ودينه الذي أرسل به، وأحفظ الناس لحديثه، وأعرف الناس بما صح عنه وما افتراه الكذابون عليه، ومن أجل ذلك هم الذابون عن سنته، والمدافعون في كل عصر عن دينه وملته وشريعته بل إن رفضهم للإحتفال بيوم مولده وجعله عيداً إنما ينبع من محبتهم وطاعتهم له فهم لا يريدون مخالفة أمره، ولا الإفتئات عليه، ولا الإستدراك على شريعته لأنهم يعلمون جازمين أن إضافة أي شيء إلى الدين إنما هو استدراك على الرسول صلى الله عليه وسلم لأن معني ذلك أنه لم يكمل الدين، ولم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم كل ما أنزل الله إليه أو أنه استحيا أن يبلغ الناس بمكانته ومنزلته، وما ينبغي له، وهذا أيضا نقص فيه، لأن وضع الرسول صلى الله عليه وسلم في مكانته من الدين الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغه وقد فعل صلى الله عليه وسلم، فقد بين ما يجب على الأمة نحوه أتم البيان فقال مثلا [لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين] (أخرجه البخاري ومسلم)
* وقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: [لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك] فقال -أي عمر-: فأنت الآن أحب إلي من نفسي، فقال: [الآن يا عمر] (أخرجه البخاري) ..
والشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستحي من بيان الحق، ولا يجوز له كتمانه، ولا شك أن من أعظم الحق أن يشرح للناس واجبهم نحوه، وحقه عليهم، ولو كان من هذا الحق الذي له أن يحتفلوا بيوم مولده لبينه وأرشد الأمة إليه.
وأما كونه كان يصوم يوم الاثنين وأنه علل ذلك أنه يوم ولد فيه، ويوم ترفع الأعمال إلي الله فيه، فإن أحباب الرسول صلى الله عليه وسلم على الحقيقة يصومون هذا اليوم من كل أسبوع اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
وأما أولئك الملبسون فإنهم يجعلون الثاني عشر من ربيع الأول يوم عيد ولو كان خميساً أو ثلاثاءً أو جمعةً.
وهذا لم يقله ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يثبت أنه صام الثاني عشر من ربيع الأول، ولا أمر بصيامه.
فاستنادهم إلى إحياء ذكرى المولد، وجعل الثاني عشر من ربيع الأول عيداً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صام يوم الاثنين تلبيس على عامة الناس وتضليل لهم.
والخلاصة:
أن الذين يُتهمون بأنهم أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم ومنكرو فضله، وجاحدوا نعمته، كما يدّعي الكذابون هم أسعد الناس حظا بإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحبته، وهم الذين علموا دينه وسنته على الحقيقة.
وأما أولئك الدعاة إلي الاحتفال بالمولد فدعوتهم هذه نفسها هي أول الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول الكذب عليه، والاستهانة بحقه.
لأنها مزاحمةٌ له في التشريع واتهام له أنه ما بيّن الدين كما ينبغي، وترك منه ما يستحسن، وأهمل ما كان ينبغي ألا يغفل عنه من شعائر محبته وتعظيمه وتوقيره، وهذا أبلغ الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه نقطة الفصل في هذه القضية، وبداية الطريق لمعرفة من اهتدى ومن ضل فيها.
¥