قال القاضي عياض: (ومعنى نظر الفجاءة: التي لم يقصد صاحبها تأملها والنظر إليها، فتلك معفوٌ عنها، والمنهي عنه المحرم من ذلك إدامة النظر، وتأمل المحاسن على وجه التلذذ والاستحسان والشهوة.).
قال النووي: (ومعنى نظر الفجاءة: أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرفه في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثِم، لهذا الحديث فإنه – صلى الله عليه وسلم – أمره أن يصرف بصره، مع قوله تعالى " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم .. ).
حكمه:
يتبين من كلام أهل العلم، أن نظر الفجاءة كما عرفه أهل العلم من المعفو عنه، وهو من الأمور التي قد لا يسلم منها أحد، لانتشار التبرج والسفور واختلاط النساء بالرجال في
2 – أن يصرف بصره في الحال ولا يديمه، والله أعلم. كثير من الأماكن، لكن ينبغي التنبه
إلى شرطا عدم الإثم، وهما: 1 – أن يكون من غير قصد.
الأدلة الواردة فيه:
1 – حديث جرير بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري.
2 – حديث علي بن أبي طالبٍ – رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال له: " يا علي لا تتبع النظرةَ النظرة، فإنَّ لك الأولى وليست لك الآخرة ".
* يدل هذين الحديثين على عدم إعقاب النظرةِ الأولى - التي من غير قصد – بالنظرة الثانية لأنها باختيارك فتكون عليك.
قال الخطابي في المعالم: (ويروى أطرق بصرك، قال: والإطراق أن يقبل ببصره إلى وجهه، والصرف أن يفتله إلى الشق الآخر).
العلاج لهذه النظرة:
سيأتي في وسائل معينه على غض البصر ما يمكن أن يدرج هنا، لكن لعل هناك علاجاً سريعاً لهذه النظرة – وهو خاص لمن كان متزوجاً – وهذا العلاج هو:
حديث جابر – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأى امرأةً، فأتى امرأته زينب، وهي تَمْعَسُ مَنِيْئَةً لها، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه، فقال: " إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأةً فليأتِ أهله، فإن ذلك يَرُدُّ ما في نفسه ". وفي لفظٍ لمسلم " فإذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإنَّ ذلك يرد ما في نفسه ".
* الكلام عن هذا الحديث في النقاط التالية:
1 – معنى قوله " تمعس " أي تدبغ، قوله " منيئة " الجلد أول ما يدبغ، وفي كلاهما خلافٌ.
2 – قوله " في صورة شيطان " أي في صفة الوسوسة والإضلال، لأن رؤيتها من جميع الجهات داعية للفساد.
3 – قوله " فإن معها مثل الذي معها " أي فرجاً مثل فرجها، ويسد مسدها.
4 – أن فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا مع زينب، ليس لأنه وقع في نفسه شيءٌ عندما رأى المرأةَ، فهو منزه عن ذلك، ولكن فعله ليقتدى به في الفعل، وإرشاداً لهم لما ينبغي أن يفعلوه.
5 – وفيه الدلالة على جواز طلب الرجل امرأته إلى الوقاع في النهار وغيره، وإن كانت مشتغلة بما يمكن تركه، لأنه ربما غلبت على الرجل شهوةٌ تضره بالتأخير في بدنه أو في قلبه وبصره، والله أعلم.
6 – قال ابن القيم – رحمه الله -: (… وأرشد من ابتلي بنظرة الفجأة أن يداويه بإتيان امرأته، وقال إن معها مثل الذي معها، فإن في ذلك التسلي عن المطلوب بجنسه، والثاني: أن النظر يثير قوةَ الشهوةِ فأمره بتنقيصها بإتيان أهله، ففتنة النظر أصل كل فتنةٍ …).والله أعلم.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[21 - 03 - 06, 12:22 ص]ـ
فتوى للإمام شمس الدين ابن القيم - رحمه الله -:
سئل: ما تقول السادة العلماء في رجلٍ نظر إلى امرأةٍ نظرةً فَعَلِقَ حبُّها بقلبه واشتد عليه الأمر، فقالت له نفسه: هذا كله من أول نظرةٍ فلو أعدت النظرَ إليها لرأيتها دون ما في نفسكَ فسلوت عنها، فهل يجوز له تعمُّدُّ النظر ثانياً لهذا المعنى؟
فكان الجواب: الحمد لله، لا يجوز هذا لعشرة أوجه: أحدها: أن الله – سبحانه – أمر بغض البصر ولم يجعل شفاء القلب فيما حرمه على العبد.
الثاني: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل عن نظر الفجأة،وقد علم أنه يؤثر في القلب فأمر بمداواته بصرف البصر لا بتكرار النظر.
¥