المراد بمشابهة الكفار المنهي عنها مشابهتهم فيما اختصوا به من العادات، وما ابتدعوه في الدين من عقائد وعبادات، كمشابهتهم في حلق اللحية وشد الزّنّار، وما اتخذوه من المواسم والأعياد والغلو في الصالحين بالاستغاثة بهم والطواف حول قبورهم والذبح لهم، ودق الناقوس وتعليق الصليب في العنق أو على البيوت أو اتخاذه وشما باليد مثلاً تعظيما له واعتقادا لما يعتقده النصارى.
ويختلف حكم مشابهتهم فقد يكون كفراً كالتشبّه بهم في الاستغاثة بأصحاب القبور والتبرك بالصليب واتخاذه شعاراً، وقد يكون محرما فقط كحلق اللحية، وتهنئتهم بأعيادهم وربما أفضى التساهل في مشابهتهم المحرمة إلى الكفر والعياذ بالله.
أما لبس البنطلون والبدلة وأمثالها من اللباس فالأصل في أنواع اللباس الإباحة لأنه من أمور العادات قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ويستثنى من ذلك ما دل الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال والذي يصف العورة لكونه شفافا يرى من ورائه لون الجلد، أو ككونه ضيقا يحدد العورة لأنه حينئذ في حكم كشفها وكشفها لا يجوز، وكالملابس التي هي من سيما الكفار فلا يجوز لبسها للرجال ولا للنساء لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، وكلبس ملابس الرجال للنساء، وملابس النساء للرجال.
وليس اللباس المسمى بالبنطلون والقميص مما يختص لبسه بالكفار بل هو لباس عام في المسلمين والكافرين في كثير من البلاد والدول، وإنما تنفر النفوس من لبس ذلك في بعض البلاد لعدم الإلف ومخالفةعادة سكانها في اللباس، وإن كان ذلك موافقا لعادة غيرهم من المسلمين.
لكن الأولى بالمسلم إذا كان في بلد لم يعتد أهلها ذلك ألا يلبسه في الصلاة ولا في المجامع العامة ولا في الطّرقات.
وبالله التوفيق
عبد العزيز بن باز ـ عبد الرزاق عفيفي ـ عبدالله بن غديان ـ عبد الله بن قعود.
أي أن المسألة في النهاية مسألة (عادة) و (إلف) فحسب. وبهذا تنتفي مسألة التشبّه.
أما مسألة تحجيم العورة فلا تصدق إلا على أنواع بعينها من (البناطيل) وهي تلك الضيقة جدا والتي تسمى (سترتش) وأما ما عداها فلا تحجيم فيه، وأما مجرد كونها تصف الرجلين فهذا ليس محل تحريم كما سيأتي.
وإذْ قد فرغتُ من معالجة قضيتي التشبه والتحجيم فلآت إلى قضية أخرى.
وهي أنني أزعُمُ أن (البناطيل) كانت لباس العربِ منذ القديم، وعرفها الصحابةُ فمن بعدهم ولم يكن ثمّتَ نكيرٌ عليها، وكانوا يسمّونها (السراويل). جاء في قرارات مجمع دمشق: السراويلُ هو ما يسمى بالبنطلون، وهو لباس ذو ساقين طويلتين يستر النصف الأسفل من الجسم. [انظر: معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة: 305].
ولننظر الآن إلى خبر السراويل في حياة الأوائل عبر هذه النصوص الدالة من كلام السلف:
ـ قال عمر رضي الله عنه: صلى رجلٌ في إزار ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص، في سراويل وقباء في تبان وقباء، في تبان وقميص. [البخاري 1/ 143]. فتأمل قوله: سراويل وقميص وانظر أي فرق بينها وبين (البدلة) باصطلاحنا المعاصر؟ وتذكر أنه يتكلم عن الصلاة فغيرها من باب أولى.
ـ وصح أنه صلى الله عليه وسلم اشترى السراويل وساوم عليها [ابن ماجه] وماكان ليشتريها صلى الله عليه وسلم عبثاً وإنما ليلبسها كما قاله ابن حجر في الفتح 10/ 237، أو ليهديها بعض أهله كما قال غيرُهُ.
ـ وفي نيل الأوطار 2/ 101 تعليقا على حديث شراء النبي صلى الله عليه وسلم للسراويل: وفيه الإذن بلبس السراويل وأن مخالفة أهل الكتاب تحصل بمجرد الاتزار في بعض الأوقات لا بترك لبس السراويل في جميع الحالات. اهـ. وهذا نصٌّ في غاية النّفاسةِ. ومن فوائده أنّه نصٌّ على لبس السراويل وحدها، لأنّ بعض النصوص التي أوردت السراويل تحتملُ أن يكون لبسُها تحت الإزارِ أو تحت ثوبٍ أو جبَّةٍ، أما كلام الشوكاني هنا فصريحٌ في لبس السراويل وحدها، وإلا لما كان لقولِهِ: " تحصل بمجرد الاتزار في بعض الأوقات " معنى. وفي النيل أيضا: وقد روي في غير حديث أنّه لبس السراويل وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه.
¥