تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الرفاعي يقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم]

ـ[أبو عبدالكريم الملاح]ــــــــ[21 - 03 - 06, 12:34 ص]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله، أما بعد:

فإنّ قصّة مد اليد الشريفة من قبر النبي صلى الله عليه وسلّم ليقبّلها الشيخ أحمد الرّفاعي، هي واحدة من القصص التي يواظب الكثير من القصّاص الصوفية على ترديدها متى سنحت لهم الفرصة، ويزعمون أنها معجزة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكرامة للشيخ أحمد رحمه الله، وهي عند أهل العلم قصّة مُخْتَلَقَة شأنها شأنُ الكثير من القصص.

ومما يُبيّن أنها مُختَلَقة، أن كلّ الكتب الكبيرة المتخصّصة بذكر تراجم مشاهير الرّجال وتقصّي أخبارهم وأقوالهم وما جرى معهم، لم تذكر هذه القصّة ولم تشر إليها في ترجمة الشيخ الرفاعي لا من قريب ولا من بعيد، مثل "وفيات الأعيان" لابن خلكان، أو "سير أعلام النبلاء" للذهبي، أو "البداية والنهاية" لابن كثير، أو "شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي الصوفي، وهذه الكتب قد اعتنت بذكر أدقّ تفاصيل حياة الشيخ الرّفاعي ومع ذلك فإنها لم تذكر هذه الحادثة على عظم شأنها، وهذا شيء عجيب حقاً!!

أيعقل أن يذكروا قصة ترك الشيخ الرفاعي للبعوضة تمتص من دمه كي لا يزعجها وأمثال هذه القصص ثم لا يذكرون قصة مد اليد؟؟!!

وكذلك فإن كل كتب التاريخ وكتب طبقات الصوفية التي اعتنت بذكر الأحداث من زمن الشيخ أحمد الرّفاعي، أي في القرن السادس، إلى القرن العاشر لم تذكر هذه القصّة! وكمثال كتاب طبقات الأولياء للشعراني الذي اعتنى بذكر حوادث تافهة وعدّها من كرامات بعض الشخصيات، ومع ذلك لم يذكر هذه الحادثة على عظم قدرها! وهذا يبيّن أن القصة مكذوبة ولم يكن لها وجود في زمن الشعراني.

والعجيب حقاً أنّ راوي القصة يزعم أنها جرت في موسم الحج وأمام الألوف من الناس يُقال إنهم، مئة ألف، وفيهم مشايخ كبار، ومع ذلك فلم تتوفّر هممهم لنقل هذه الحادثة وإخبار الناس بها!!! والمعروف أن الناس إذا رجعوا من الحج حدّثوا قومهم بأغرب ما جرى معهم ويستمرّون على هذا الحال إلى آخر حياتهم، فهل يُعقل أن يشاهدوا اليد الشريفة تخرج من القبر ليقبّلها الشيخ الرفاعي ثمّ لا نجد أحداً من كل هؤلاء الألوف يهتمّ بإخبار الناس بهذا الحدث؟؟

ثُمَّ إنّ أتباع الطريقة الرّفاعيّة لمّا أدركوا أنّ هذه القصّة لا سند لها بل هي مُختَلَقة، اضطرّوا إلى تأليف رسائل تثبِتُها، ولكي يكون لهذه الرّسائل مصداقيّة عند الناس زوّروها وألصقوها بعلماء مشهورين في القرن السابع أو الثامن أو التاسع، ولكن كان من أثر ذلك أن افتُضِح أمرهم وظهر زيفهم.

ومن الشخصيّات البارزة في هذا الخصوص شخصية أ بي الهدى الصيادي شيخ الطريقة الرفاعيّة في زمانه ومجددها، والذي كان ينسب نفسه للشيخ أحمد الرفاعي، وله مؤلّفات كثيرة كتبها لأجل إبراز الطريقة الرفاعية وإكسابها الأفضلية والتميز على غيرها، وكذلك للتعظيم بشخص الشيخ الرفاعي الذي تنسب إليه هذه الطريقة.

فمن ذلك أنهم ألّفوا رسالة صغيرة جداً بعنوان: "الشرف المحتّم فيما منّ الله به على وليّه السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه من تقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلّم " وألصقوها بالسيوطي لما له من مؤلّفات كثيرة.

والغريب أن كل الكتب التي تَرْجَمَت للسيوطي لم تَذكُر هذه الرِّسالة ضمن مؤلّفاته الكثيرة، بل إن السيوطي نفسه لم يذكرها ضمن رسائله وكتبه لمّا ترجم لنفسه في كتابه "حسن المحاضرة" وهذا أمرٌ عجيب!!

ثمّ وبعد اطلاعي على الرسالة تبيّن لي أنها لا يمكن أن تكون من تأليف السيوطي، فلا الأسلوب أسلوبه و لا الطريقة طريقته.

والمضحك فيها أنه يستشهد بكلام السخاوي!! تصوّروا السيوطي يستشهد بكلام السخاوي!! والكل يعلم العداوة المستحكمة بين الرجلين والبعد الكبير بينهما وخاصة في مثل هذه المسائل التي هي أبعد ما تكون عن منهج السخاوي.

ثم بعد ذلك يستشهد السيوطي في هذه الرسالة المزعومة بكلام الفرّاء لإثبات كرامة الرفاعي في مد يد النبي صلى الله عليه وسلّم له وتقبيلها!! والمعلوم أنّ الفرّاء من أهل اللغة والنحو، والمضحك أنّ الفرّاء معتزلي ينكر الكرامات أصلاً!! وهذا معلومٌ عند السيوطي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير