وأما وجوب إنكارها فلكونها من المنكر الذي حرمه الشرع وأمرنا أن ننكره لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)).
ثالثها: أن يعزم على ألا يعود إليها مع ملازمة الإستغفار، ويكون العزم في القلب ويظهر أثره على الجوارح فإن انعدام العزم يفضي إلى العودة السيئة التي تنافي التوبة النصوح قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
والعازم الصدوق موفق متى ما صدق مع الله وفي صحيح مسلم عن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى.
فقالت: ((يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها.
فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها ففعل.
فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها.
فقال له عمر تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت.
فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم)) وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى.
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة)).
وأمثلة كثيرة تبين العاقبة الحسنة للتائبين الصادقين فما أحوج المسلمين اليوم للتوبة النصوح.
كما نوصي السائل بتقوى الله والحذر من الغفلة والتي من علاماتها:
1 - هجر تلاوة القرآن والعمل به قال تعالى ((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)).
2 - الإنشغال بزخارف الدنيا وملذاتها وهذه علامة عليها أكثر الخلق إلا من رحم الله وصاحب هذه الخصلة على خطر عظيم وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).
3 - مجالسة أهل السوء ولا يجالسهم إلا غافل عن طاعة ربه لأن السيئ لا يزيد رفيقه إلا غفلة، وففي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك وكير الحداد لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة)).
4 - البعد عن ذكر الله ومن ذلك عدم المحافظة على الصلوات في المساجد في جماعة قال تعالى: ((وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)). وقال جل ذكره: ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)).
5 - قلة تذكر الموت وعدم زيارة المقابر ففي زيارتها دحض للغفلة وفي صحيح مسلم عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)). وفي رواية ((فإنها: تذكركم الآخرة)).
فهذه علامات الشخص الغافل وللغفلة في الشخص آثار كثيرة منها:
1. ضنك العيش مع توفر المال أو الجاه أو السلطان لبعده طاعة ربه وإعراضه عن كثير من أحكام الشرع. قال تعالى: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)).
2. كثرة التضجر وضيق الصدر لبعده عن الأذكار والأوراد الشرعية قال: ((أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)).
3. قلة النور في الوجه لأن نور الوجه دليل التيقظ والإنتباه وغيابه علامة الغفلة قال تعالى: ((سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)).
4. عدم اتزانه في الأمور المختلفة فتجده مع الريح إن هبت إنجرف معها فلا يهنأ له بال ولا يستقيم له حال كما قال تعالى (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)).
5. عدم مبالاته بالمعاصي من خلال مجاهرته، فمن جاهر بالمعاصي فذاك دليل غفلته. وفي الصحيحين أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين)).
ثم قال: ((وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه)).
ارجو التقيب على الموضوع
¥