تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

"وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً"

ـ[علياء القدامة]ــــــــ[28 - 03 - 06, 09:36 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

(وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)

لا يخفى على أحد الانفتاح الذي يعيشه العالم اليوم، توسع الناس وتخالطوا وتداخلت الحضارات والأمم، وركض الناس وانكبوا على الدنيا حتى انقلبت الموازين عند الكثير، وأصبح الأصل هو الحياة الدنيا، ونسوا أوتناسوا أن الموت قريب، والأصل هو الخلود في الآخرة.

وتغيرت النظرة عند الكثير، وأصبح الفقر هو هاجس الأغلب، فبحثوا عن المال من أي طريق كان دون البحث والتحري عن طيب المطعم والمشرب، مع أن نبينا عليه الصلاة والسلام نبهنا أنه ما الفقر يخشى علينا ولكنه يخشى علينا الانغماس في هذه الدنيا، فتهلكنا وتفتننا كما أهلكت من كان قبلنا، يقول الشافعي –رحمه الله-: (ما فزعت من فقر قط) لأنه كان يعلم أن الرزق بيد الله، وأن من ترك شيئاً لوجه الله عوضه الله خيراً منه.

فقد كان التوكل والسعي للأسباب المباحة راسخ في قلوب الكثير، كانوا قبل أن يفعلوا الفعل يسألوا عن حكمه في دين الإسلام هل هو يرضي الله عز وجل أو لا؟ لأنهم كانوا يعلمون أن المعاصي تفسد الأرض وتهلك الحرث والنسل، قال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}، وقال تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}.

فالآيات الكونية قد تتغير بسبب المعاصي تخويفاً للعباد، ومن ذلك كسوف الشمس وخسوف القمر.

لما كسفت الشمس على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام صلى بهم رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"إن الشمس والقمر من آيات الله، وإنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا، ياأمة محمد ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، ياأمة محمد والله لوتعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ألا هل بلغت" وفي رواية:"فصلوا حتى يفرج الله عنكم".رواه البخاري ومسلم.

وفي رواية:"ولكنهما من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفاً فاذكروا الله حتى ينجليا".

لو تأملنا هذا الحديث لخرجنا بفوائد عظيمة، ففي قوله عليه الصلاة والسلام:"لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته" يقول ابن حجر-رحمه الله: (فيه دليل على إبطال تأثير الكواكب في الأرض بخلاف ما عليه حال الكثير اليوم من اعتقاد بالكواكب والله المستعان).ويقول أيضاً: (ناسب في الحديث ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء)، وخص منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: (وهذا بيان منه عليه الصلاة والسلام أنهما سبب لنزول عذاب الناس فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه، وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس مما يضرهم، فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفاً، قال تعالى: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً} وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بما يزيل الخوف، أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق حتى يكشف ما بالناس).

ويقول النووي -رحمه الله- في شرح قوله عليه الصلاة والسلام:"يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً": (أي لو تعلمون من عظم انتقام الله من أهل الجرائم، وشدة عقابه، وأهوال القيامة وما بعدها كما علمت، وترون النار كما رأيت لبكيتم كثيراً).وقال أيضاً-رحمه الله- عند أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالصلاة: (أي بادروا بالصلاة وأسرعوا إليها حتى يزول عنكم هذا العارض الذي يخاف كونه مقدمة عذاب).

وروى البخاري ومسلم: خسفت الشمس في زمن النبي عليه الصلاة والسلام فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود مارأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال:"إن هذه الآيات التي يرسل الله لاتكون لموت أحد ولالحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره".ففي قوله:"يخوف" يقول ابن حجر-رحمه الله-: (فيه رد على من يزعم أن الكسوف أمر عادي لايتأخر ولايتقدم، إذ لو كان كما يقولون لم يكن في ذلك تخويف، ويصير بمنزلة الجزر والمد في البحر).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير