وهذا ما نلحظه من حال غالب الناس اليوم حيث يهونون من شأن الكسوف والخسوف، ويقولون أنهما ظاهرة طبيعية، وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله- أن هناك سبب شرعي لا يعلم إلا عن طريق الوحي، ويجهله أكثر الفلكيين ومن سار على منهاجهم.
والسبب الشرعي هو تخويف الله لعباده، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما يخوف الله بهما عباده"؛ ولهذا أمرنا بالصلاة والدعاء والذكر وغير ذلك كما سيأتي إن شاء الله.
فهذا السبب الشرعي هو الذي يفيد العباد؛ ليرجعوا إلى الله، أما السبب الحسي فليس ذا فائدة كبيرة، ولهذا لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان فيه فائدة كبيرة للناس لبيّنه عن طريق الوحي؛ لأن الله - - يعلم سبب الكسوف الحسي، ولكن لا حاجة لنا به، ومثل هذه الأمور الحسية يكل الله أمر معرفتها إلى الناس، وإلى تجاربهم حتى يدركوا ما أودع الله في هذا الكون من الآيات الباهرة بأنفسهم.
أما الأسباب الشرعية، أو الأمور الشرعية التي لا يمكن أن تدركها العقول ولا الحواس، فهي التي يبيّنها الله للعباد.
وصلى بهم النبي عليه الصلاة والسلام صلاة لا نظير لها؛ لأنها لآية لا نظير لها.
آية شرعية لآية كونية، أطال فيها إطالة عظيمة، حتى إن بعض الصحابة - مع نشاطهم وقوتهم ورغبتهم في الخير - تعبوا تعباً شديداً من طول قيامه عليه الصلاة والسلام، وركع ركوعاً طويلاً، وكذلك السجود، فصلى صلاة عظيمة، والناس يبكون يفزعون إلى الله، وعرضت على النبي عليه الصلاة والسلام الجنة والنار في هذا المقام، يقول: "فلم أرَ يوماً قط أفظع من هذا اليوم"؛ حيث عرضت النار عليه حتى صارت قريبة فتنحى عنها، أي: رجع القهقهرى خوفاً من لفحها، سبحان الله! فالأمر عظيم! أمر الكسوف ليس بالأمر الهين، كما يتصوره الناس اليوم، وكما يصوره أعداء المسلمين حتى تبقى قلوب المسلمين كالحجارة، أو أشد قسوة والعياذ بالله.
يكسف القمر أو الشمس والناس في دنياهم، فالأغاني تسمع، وكل شيء على ما هو عليه لا تجد إلا الشباب المقبل على دين الله أو بعض الشيوخ والعجائز، وإلا فالناس سادرون لاهون، ولهذا لا يتعظ الناس بهذا الكسوف لا بالشمس ولا بالقمر مع أنه أمر هام، ويجب الاهتمام به. (الشرح الممتع)
ولو كان الكسوف ظاهرة طبيعية وأمر عادي لم فزع عليه الصلاة والسلام منه! كما جاء في بعض الروايات:"فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة". قال ابن حجر-رحمه الله-: (فلو كان الكسوف بالحساب لم يقع الفزع).
حتى أنه عليه الصلاة والسلام كما جاء في بعض الروايات: أخطأ بدرع حتى أدرك بردائه. ومعناه كما يقول النووي-رحمه الله-: (أنه لشدة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذ رداءه فأخذ درع بعض أهل البيت سهواً، ولم يعلم ذلك لاشتغال قلبه بأمر الكسوف، فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه لحقه به).
وقد وردت أحاديث عظيمة كلها عندما كسفت الشمس، فأحاديث فتنة القبر ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام عندما كسفت الشمس، فبعد أن انتهى عليه الصلاة والسلام قال ماشاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر. رواه البخاري
كما أنه عليه الصلاة والسلام رأى الجنة والنار في صلاته، يقول عليه الصلاة والسلام:"ورأيت النار فلم أرَ كاليوم منظراً قط، ورأيت أكثر أهلها النساء" قالوا: بم يا رسول الله؟ قال:"بكفرهن" قيل: أيكفرن بالله؟ قال:"يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط".رواه البخاري ومسلم
ورأى عليه الصلاة والسلام المرأة التي عُذبت في هرة. وذكر فتنة المسيح الدجال. رواه أبوداود
وحث على التوبة فقال عليه الصلاة والسلام:"أما بعد فإن رجالاً يزعمون أن كسوف هذه الشمس، وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم عن مطالعها، لموت رجال عظماء من أهل الأرض؛ وإنهم قد كذبوا ولكنها آيات من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر بها عباده، فينظر من يحدث منهم توبة".
والمتأمل في الأحاديث الواردة في الكسوف وبيان عظم شأنه وخطره؛ لأنه يخشى أن يكون سبب من أسباب العذاب، يجد أن النبي عليه الصلاة والسلام أرشدنا إلى ماينفعنا، وما علينا فعله إذا كسفت الشمس، فحثنا على:
(1) الصلاة ..
(2) الصدقة ..
¥