هكذا يبسط لنا خبير معهد التغذية لجامعة البرازيل: جوزوريه ديكاسترو، آمال العلم، والدين قرر أن لله رحمة وسعت كل شيء، والكون فطرة ليس فيها ثغرة، إذ هذا الكون من صنع الله الذي أتقن كل شيء، كما قرر للإنسان كرامته ومكانته في الكون وبين سائر الخلق. وهو بهذا كله ينفث خلال عقائد الإيمان الأساسية طاقات كبرى للانطلاق، إنه يفتح طاقات الإنسان في تأثر متبادل فعال.
يبذل الإنسان طاقاته في معالجة طاقات الكون، ويمنح الكون هذا الإنسان ما يحفظ عليه حياته وحيويته وطاقته؛ لينفق هذا كله في العمل في الكون. وهكذا تتفتح الطاقات هنا وهناك، ويبارك الإيمان هذه الطاقات العاملة التي تطلق آيات الله في الآفاق.
يكرم الإنسان؛ فيغدو الحفاظ على كرامة الإنسان فريضة الإيمان وشريعة الدين، ويبرز جلال الكون؛ فيجعل تأمله وتدبره والعلم بنواميسه، والعمل للإفادة من طاقته سياحة قدسية، وعبادة خاشعة: ? فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون?، [الجمعة: 10]، ? هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور?. [الملك: 15].
وهكذا يطلق الدين قوى الإنسان في أنقى وأصفى حالاتنا لتعمل عملها مع قوى الطبيعة، تعمل بعد أن نقاها الإيمان من اليأس الكثير، والبطر المغرور، وصرف مشاعر الخوف والرجاء في الإنسان إلى من لا يتجبر بها لغير الحق، وهو غني عن العالمين، وآزره وهو يعالج الكون العملاق باستناد إلى باريء الكون وفاطر الإنسان، والتطلع إلى عالم آخر هو خير وأبقى في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ...
وهكذا تأتي العقيدة في الله تعزيزا لسعي الإنسان في سبيل الحياة ...
تأتي إطلاقا للقوة الإنسانية في أوسع مداها، وتسخيرا للقوى الكونية في شتى أسبابها، مع سد المساريب التي تتبدد منها هذه وتلك على السواء ...
لقد ساق القرآن عقيدته في موكب من الحياة والخضرة والنور: ? إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلك الله فأنى تؤفكون. فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون. وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنابه نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ?. [الأنعام: 95 - 98].
ومن هنا تنطلق كل الطاقات إلى أقصا الغايات في رحاب الإيمان، ويعبد الله بالابتغاء من فضل الله:
فيهون الجهد ...
ويطوى الكون ...
ويعز الإنسان ...
وهذه هي البركات التي تتحدث عنها كتب السماء: ? ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض. ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم?. [الأعراف: 96، 97].
ومعلوم أن الخبراء الفنيين اعترفوا بأن المغرب يسع أكثر من خمسين مليونا من السكان، فما على الدول الإسلامية إلا أن تتقي الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتضاعف نشاطها في الميدان الاقتصادي، وتوحد جهودها في جميع الميادين، وتقضي على جميع أسباب التخلف؛ لتصبح قوة يحسب لها حسابها، وتحقق بذلك وعد الله سبحانه بإظهار الإسلام على الدين كله ولو كره المشركون، ويكون النبي – صلى الله عليه وسلم – أكثر الأنبياء تابعا يوم القيامة ...
وليحذر المسلمون من المؤامرات التي تحاك ضدهم من بعض المنظمات الدولية التي يهولها ازدياد المسلمين في كل سنة، والخوف من تسنمهم ذروة الهيمنة على العالم مرة أخرى كما كانوا في عصور نهضتهم الذهبية حتى صاروا يبذلون عشرات بل مئات الملايين من السانتيمات للدول النامية إعانة لها على شراء الأدوية المانعة من الولادة والتقليل من مواليدها بمختلف الأسباب، وتأسيس الجمعيات وتنظيم الأسابيع وعقد المؤتمرات قصد التأثير على الرأي العام حتى يبادر إلى ذلك طائعا مختارا.
في الوقت الذي نرى فيه الصهيونيين يزداد عددهم، والأقليات غير الإسلامية في البلاد الإسلامية تتخذ جميع الوسائل لازدياد عددها، ليكثر عدد وزرائها في الدول الإسلامية وأعضائها في البرلمان، وتدرك مبتغاها في التقليل من أهمية الإسلام ببلادها.
وأستحضر هنا تصريحا أدلى به المرشال بيتان رئيس فرنسا غداة احتلال باريس من طرف دول المحور أثناء الحرب العالمية الثانية، ونشرته جل صحف الدنيا آنذاك، ومنها: جريدة "السعادة" بالمغرب، مفاده:
((أيها الفرنسيون؛ أنتم المسؤولون عن هزيمة فرنسا بتقليلكم من المواليد، لم أجد بجانبي أثناء المقاومة الفرنسية للمحور إلا أبناء مستعمراتنا؛ فهم الذين استطاعوا أن يقاوموا الهجوم الأجنبي على بلادنا ستة أشهر، ولو اعتمدت على الفرنسيين وحدهم؛ لما استطعت أن أقاوم في الميدان إلا مدة قليلة، أيها الفرنسيون؛ أكثروا من المواليد لتجدوا من يدافع عن بلادكم مرة أخرى ... )).
وحقا ما قاله أحد الأجانب: ((إن المواليد لا يولدون ببطونهم فحسب؛ وإنما يولدون بعقولهم وبطونهم معا ... )).
وصدق الله تعالى في قوله: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}، [هود: 6]، وقوله: {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه}. [فاطر: 11]، وليست حاجتنا منحصرة في الطبيب والصيدلي، والمهندس والمحامي؛ بل البناء والنجار، والحداد والخياط والعامل في طليعة حاجياتنا الضرورية، وبدونهم لا يستقيم أمر ولا يتقدم مجتمه، وناهيكم بشيء امتن علينا سبحانه به في قوله: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}. [الزخرف: 32].
قال البيضاوي رحمه الله في تفسيره: ((ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم، فيحصل بينهم تآلف ونظام ينتظم بذلك نظام العالم، لا لكمال في الموسع، ولا لنقص في المقتر ... )).
{ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا} ... آمين.
-انتهت الفتوى المباركة-
¥