تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو عبد الله الساحلي]ــــــــ[06 - 04 - 06, 06:41 م]ـ

غلبة الصغائر، وأثرها على الفسق

يدور هذا المطلب حول النقاط التالية:

النقطة الأولى: أقوال العلماء ومذاهبهم في أثر غلبة الصغائر على الفسق.

النقطة الثانية: دليل مقياس الغَلَبَة.

النقطة الثالثة: ضابط غلبة الصغائر.

النقطة الرابعة: رد شبهة تتعلق بمقياس غلبة الصغائر.

وأخيراً: نتائج وآثار ارتكاب الصغائر في الحكم على المكلف بالفسق.

النقطة الأولى ـ أقوال العلماء ومذاهبهم في أثر غلبة الصغائر على الفسق:

لعل أولَ من نبَّه على ذلك هو الإمام الشافعي ـ رحمة الله عليه ـ، إذ يقول في كتابه العظيم (الرسالة): «وليس للعدل علامةٌ تُفرِّق بينه وبين غير العدل في بدنه ولا لفظه، وإنما علامة صدقه بما يختبر من حال نفسه؛ فإن كان الأغلب من أمره ظاهر الخير قُبل؛ وإن كان فيه تقصيرٌ عن بعض أمره، لأنه لا يَعرى أحد رأيناه من الذنوب، وإذا خلط الذنوب والعمل الصالح، فليس فيه إلا الاجتهاد على الأغلب من أمره بالتمييز بين حَسَنه وقبيحه، وإذا كان هذا لا بد أن يختلف فيه المجتهدون» (1)

وقال ابن حجر الهيتمي: «والحاصل أنَّ المعتمد، وِفاقاً لكثيرٍ من المتأخرين كالأذرعي والبلقيني والزركشي .. وغيرهم: أنه لا تضرُّ المداومة على نوعٍ من الصغائر، ولا على أنواع، سواء كان مقيماً على الصغيرة أو الصغائر، أو مكثراً من فعل ذلك، حيث غلب الطاعاتُ المعاصيَ، وإلا ضرَّ» (2)

وكذلك عند الحنفية فقد قال ابن نجيم: «حدُّ الإصرار على الصغيرة: الجمهور أنه غلبة المعاصي على الطاعات وهو المعتمد» (3)

وعند الحنابلة أيضاً مقياس الغلبة هو المعتمد، فقد جاء في «المغني»: «فأما الصغائر: فإن كان مصرَّاً عليها رُدَّت شهادته، وإن كان الغالب من أمره الطاعات لم يُردَّ لما ذكرنا من عدم إمكان التحرُّز» (4)

وقد صرَّح بذلك أيضاً في «الكافي» فقال: «واعتبرنا في مرتكب الصغائر الأغلب، لأنَّ الحكم

للأغلب» (5).

وكذلك عند الظاهرية: فقد اعتبر ابن حزم غلبة الطاعة مع عدم الإقدام على كبيرة شرط العدالة (6)

النقطة الثانية ـ دليل مقياس الغلبة: ما تقدم من ترجيح مقياس غلبة الصغائر لتفسيق المكلف يمكن الاستدلال له بما يلي:

1 ـ قوله تعالى: {والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون} [الأعراف: 8 ـ 9].

2 ـ وقوله تعالى: {فأما من ثقلت موازينه فهو فى عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية} [القارعة: 6 ـ 11].

وجه الدلالة: أنَّ من غلبت حسناتُه سيئاتِه كان من الناجين، ومن غلبت سيئاتُه حسناتِه فهو من الخاسرين، فالحكم للأغلب.

3 ـ قوله تعالى: {يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} [البقرة: 219].

وجه الدلالة: أنَّ الله سبحانه وتعالى غلَّب حكم الأغلب من كثرة مفاسد الخمر على منافعه في حكم التحريم، فيستفاد من الآية أنَّ الحكم للأغلب (7).

4 ـ عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم ومُحَقَّرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يُهلكْنَه»، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً: كمثل قومٍ نزلوا أرض فلاةٍ، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سَوَاداً فأجَّجوا ناراً، وأنضجوا ما قذفوه فيها (8)

5 ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صُقلت، فإن عاد زِيدَ فيها، فإن عاد زيدَ فيها حتى تعلو قلبه، فهو الران الذي ذكر الله {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [المطففين: 14] (9)

وجه الدلالة في هذين الحديثين: أنَّ صغائر الذنوب التي عُبِّر عنها بالمحقرات والخطيئة، إنما يهلكن صاحبهن إذا غلبن وتراكمن، فالعبرة دائماً بالغلبة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير